عرف تاريخنا الثقافي ابياتا راجت وتداولها الناس دون بقية القصيدة الأم التي احتضنت تلك الأبيات، ولعل السبب في ذلك يعود لمحتوى البيت نفسه، إما لحمولة هائلة من الحكمة تقترب كثيرا من لواعج المتمثل، وإما لتكثيف اقترب كثيرا من تأويل المتمثل، وإما لمسافات انزياح حلت محل الرضا من فطنة المتمثل.
وعرف تاريخنا الثقافي أيضا قصائد شهيرة فاقت شهرتها شهرة مؤلفيها، إما لمحتوى القصيدة وإما لنسيجها الفريد وإما للهولوغرام المهيب الذي يتجسد عبر هالة القصيدة، وإما للحالات الثلاث مجتمعة، ومن تلك القصائد على سبيل المثال قصيدة ابن زريق البغدادي الذي عاش في أواخر القرن الميلادي العاشر.
قصيدة ابن زرق تلك يطلق عليها بعض مؤرخي الثقافة القصيدة اليتيمة إذ لا يعرف للشاعر قصيدة أخرى غيرها، ويقولون أنها قد وجدت معه عند وفاته مغتربا يطلب رزقا يسعد به زوجته التي مات دون أن يتحقق له ذلك. ومن أبيات تلك القصيدة المشحونة بالدراما العاطفية:
لا تَعـذَلِيـه فَإِنَّ العَـــــــــذلَ يُـولِعُـــهُ
قَد قَلتِ حَقـــــاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَـعُـهُ
جـاوَزتِ فِي لومـه حَـــداً أَضَـرَّ بِـهِ
مِن حَيـثَ قَـدرتِ أَنَّ اللوم يَنفَعُــــهُ
فَاستَعمِلِـي الرِفـــق فِي تَـأِنِيبِـهِ بَـدَلاً
مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
ومنها قصيدة الغزال (يحيى بن الحكم) الذي عاش في الأندلس خلال القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، وكانت له سفارة لبلاده إلى دول أوروبية، وفي زيارته للدنمارك أعجبه حسنا تراءى له في وجه أنثى هناك فكتب قصيدته التي أوردها صاحب الغصن الرطيب ومطلعها:
كُلِّفْتَ يا قلبي هوى متعبا غالبتَ منه الضيغم الأغلبا
ومنها:
يا تود يا رُود الشـــــباب التي تطلع من إزرارها الكوكبا
يا بأبي الشخص الذي لا أرى أحلى على قلبي ولا أعذبا
إن قلت يوما أن عينـــي رأت مشبـــهه، لم أعد أن أكذبا.