كثيرًا ما نرى في الحوارات الاستهلالية بين طرفين في حوارهم الأول
من أين أنت؟
وتقاس أيضًا في الثقافات الأخرى بمكان الميلاد.
هذا السؤال في الغالب يفتح حلقة النقاش التعريفية، ويذيب الجليد بين أولئك المتحادثين.
تخرج العلاقة من مستواها الميت إلى الحي، ثم إلى النشط وأحيانًا إلى الثائر، كل هذا بسبب ذلك السؤال.
أي قوة يحملها ذلك السؤال ليصنع صداقة ويبني علاقة من لاشيء؟
لماذا الانتماء هو المحرك؟
الإجابة ببساطة تقف على أعتاب ترابط بعض العادات والسلوكيات، وبعض الصور النمطية بالمجتمعات، وتسير معها جنب بجنب لعدة قرون؛ حتى تصبح بعضًا من هويتها وجزءًا أصيلًا فيها.
يروى الجمال في بلد، ويتعاظم الأدب في بلد، ويتكاثر الذكاء في بلد، وتطلق مسمى أرض الشعراء على بلد، ولن نتطرق للجانب السلبي لعدم دقته من جانب وطمعًا ببث الإيجابي فيكم من جانب آخر.
يحدث أن تحادث أحدهم فيقول من مصر مثلًا فتتجاهل الانتماء الديني والعرقي، وتخرج مباشرة إلى الأرض، وتربط مشروع الصداقة الجديد بوطنه ولا يدور حديثك إلا حول عطاء هذا البلد والزخم الذي أضفاه للعالم من علماء ومفكرين وفنانين، فما أن تحدثه قليلًا عن علماء مصر في العلوم التطبيقية وجوائز نوبل؛ حتى تخرج به إلى جانب فكر المسيري والعقاد و و و والقائمة تطول، وتتجه للشعر فلا تجد إلا عددًا أكبر مما سبق.
تسأله عن هذا البلد الزاخر بهؤلاء المفكرين، ولن تكون أفضل منه فغالبًا سيحاورك بذات المنطق؛ ليصل بك إلى ذات النتيجة فأنت قد صنعت له من خلال انطلاقتك مسارًا محددًا، وجد نفسه مجبورًا على السير فيه، ولن يجد بدًا من مجاراتك، بل وربما استنباط ما يجعلك تسخر من ضحالة ما تعرف مما ينبغي أن تعرف عن نفسك من جهة وعنه من جهة أخرى.
حينها غالبًا قد فتحت بابًا آخر في علاقتك وبنيت مستوى متقدمًا في تلك العلاقة.
كل تلك المسرحية حدثت بسبب الانتماء الذي يعيش به ذلك الصديق الجديد، وتعيش به أنت ولو لا ذلك الانتماء لما وصلت علاقتكما إلى هذا المستوى الجيد من التقدم والحركة والنهوض.
ننتهي الى أهمية الوقوف على الأخذ من كل شعب بطرف، وتكوين قاعدة متواضعة عما يميز تلك الحضارات، وما تختص به تلك الثقافات والأعراق لعلك أن تذيب بها جليدًا يومًا ما، وأن تحاول – فقط تحاول – أن تبني لدى الجيل القادم صورة نمطية لثقافتك وانتمائك؛ لتكون أداة لتلك الأجيال فيذيب أولئك من خلال ما تترك ذلك الجليد.
أخيرًا ذلك الانتماء الذي تفاخر به ليس سوى تركة من سبقك، فاجعل للّاحق تركة تستحق فخر الانتماء.
غرد بـ
الانتماء يصنع الصداقات الجيدة..
———————-
@ryalhariri