من أشهر الأبيات التي نقلت عن الشافعي قوله:
جزى الله الشدائد كل خير …
وإن كانت تغصصني بريقي.
وما شكري لها حمدًا ولكن …
عرفت بها عدوي من صديقي
من حق الدول أن تسعى خلف مصالحها (الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية وغيرها)، إلا أن هذا لا يمنحها الحق في التعدي على الآخرين والتخطيط ضدهم، واستغلال دول (وجماعات) ضد أخرى، ومنحهم مصالح يتم تقديمها (كطعم) لتحقيق مصالح أخرى أكثر استراتيجية.
التوترات المتتالية في منطقتنا والتي تنتقل من الخليج العربي إلى البحر الأحمر ثم البحر المتوسط يبدو لنا في ظاهرها التنافس على المصالح والثروات (من نفط وغاز ومصادر طاقة ويورانيوم، ومعادن وغيرها من النعم التي وهبها الله لمنطقتنا)، لكن باطنها يخفي مخططات وخرائط بدأ العمل عليها (بن جوريون- رئيس سابق لوزراء العدو المحتل) ومستشارون أمريكيون منذ خمسينيات القرن الماضي، وتم تطويرها على مدى السنوات المتتالية حتى اعتمدها الكونجرس الأمريكي (بالإجماع) عام 1983 فيما سمي بعد ذلك بمشروع *”برنارد لويس”* الذي قسم فيه الدول الناتجة عن اتفاقية (سايكس – بيكو) إلى دويلات صغيرة نحو بناء الدولة (العبرية) المركزية.
الأعداء جعلوا أبناء الأمة حطبًا لجحيم خططهم! أسلوب سيطرتهم وتنفيذهم صار مكررًا، بداية من إثارة شغب وفتن داخلية في البلد المستهدف تؤدي إلى حرب أهلية يظهر خلالها *(زعامات مدعومة)* تدعو بعد فترة من الاقتتال *(بين أبناء الوطن الواحد)* للاستعانة بقوى أجنبية لإعادة الاستقرار للوطن المنهك لنصل في نهاية الأمر إلى مناقشة حلول سياسية تدعو لتقسيم الوطن، ومنح (الزعامات الناشئة) قطعة من الكعكة الكبيرة، ويذوب بعدها الوطن الكبير.
لا أكتب هنا عن (نظرية) المؤامرة، لقد تجاوزنا هذه المرحلة، بل عن (خطة استراتيجية) بدأ تنفيذها منذ سنوات و(نعيشه) الآن.
رأينا (في الواقع) ما حل بالسودان وتقسيمه إلى جزئين من أربع (يجري العمل على الجزء الثالث “دارفور” الآن)، سوريا والعراق واليمن يعيشون مرحلة الحرب الأهلية وأما ليبيا، فقد نضجت وحان موعد الاستعانة بقوات خارجية! ولولا الله ثم (حراك 30 يونيو) في مصر ودعم السعودية لتحقق جزء كبير من أهدافهم!. فهل نقف مكتوفي الأيدي حتى يقسموا مصر والسعودية وبقية الدول العربية؟ وهل لا زال هناك من يشكك في (جدية) تلك الخطط؟
الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة، أسقطت أقنعة (بعض) السياسيين وكشفت دورهم في بث الفرقة والنزاعات بين زعامات وشعوب الأمة، وأنهم مجرد أدوات في المشروع الصهيوني الكبير بغض النظر عن العرق أو الطائفة التي ينتمون إليها، فكل منهم يبحث عن زعامة زائفة، لذا لا يتورع عن لبس قناع يختفي خلفه قد يكون ربطة عنق أو لحية أو عِمامة (سوداء أو بيضاء)، لا يهم لونها، المهم أن تكون عمامة تسر المخططين.
مسرحية المأساة الممثلة في بكاء قادة *(حماس)* ونحيبهم وإقامة سرادق العزاء على الهالك (قاسم سليماني) ومن معه، تعكس مدى التقارب بين حماس وإيران، وتكشف أيضًا عن دور الجماعة وتواطئهم في الهجوم المتتابع على ولاة الأمر في السعودية، والذي وصل حد الدعاء عليهم من (بعض) أئمة جوامع فلسطين المحتلة، وأن حملة حسابات التواصل الاجتماعي للنيل من السعودية والسعوديين (تحت مسميات فلسطينية) لم تكن مصادفة، بل تهدف إلى قطع العلاقة بين (الشعبين)، وبناء الحواجز النفسية بينهما تمهيدًا لقبول التخلي عن القضية الفلسطينية ولو معنويًا.
التقارب الإيراني مع حماس هو فصل مسرحي من نوع (التراجيكوميدي – مأساة مع ملهاة) يدعونا للتساؤل: *كيف تجتمع حماس (السنية) بمن يطعنون في أم المؤمنين عائشة والشاتمين لأبي بكر وخليفته عمر رضي الله عنهم؟*، هذا التقارب (لا يمكن) أن يتم بمعزل عن أعين *الموساد*، وخطره على الدولة الفلسطينية والفلسطينيين كبير، *(فالأموال)* التي تصل إلى الجماعة تساهم في زيادة شق الصف الفلسطيني وتكرس الخلاف بين فتح وحماس، و*(الأسلحة الإيرانية)* التي تتباهى بها حماس كدعم من إيران، ما كانت لتصل إلى حماس إلا لهدف (استراتيجي) أراده الصهاينة! وقد حققوه بعدما تلقوا الدعم الكامل من الغرب لمشروع *(القبة الحديدية)* الذي يوفر الحماية للمستوطنين من أي اعتداء صاروخي.
ومن عجائب أحداث الفترة الماضية، ما رآه العالم وسمعه من (العراقي) أنور المالكي وهو يقف حزنًا على (الإيراني) قاسم سليماني! مطالبًا بإبعاد القوات الأمريكية عن العراق، وهو، أي المالكي، الذي شكر ذات يوم الأمريكان على إسهاماتهم في إنقاذ العراق من ديكتاتورية صدام حسين، وهو أيضًا الذي (نفذ أوامرهم) وفتح بلاده للجماعة الإرهابية *(داعش)* لتعيث في العراق فسادًا مما أعطى مزيدًا من المبررات لبقاء القوات الأمريكية.
في جانب آخر من أحداث المنطقة، يظهر لنا دور جديد لأردوغان لا يقل لؤمًا عن حماس، حيث لم يكتفِ بما قدمه (ولا يزال) من دعم لجماعة الإخوان التي صار دورها مكشوفًا في تهديد أمن البلاد العربية، فهاهو يوجه الجيش التركي نحو ليبيا في خطوة رفضها الليبيون والعرب حتى لا يتخذها الأعداء فرصة لدخول الأراضي الليبية، ومن ثم تفكيك الجماهيرية العربية الليبية كأحد مخرجات خطة برنارد لويس.
إضافة إلى الزعماء والمسؤولين الرسميين الذين أظهروا ما في نفوسهم تجاه أوطانهم، هناك (طابور خامس) بدأ يكبر وصار جاهزًا للانطلاق (عند الحاجة)، إذ كيف نفسر غضب وحزن بعض مواطني (دولة خليجية) على ما آل إليه مصير (أبي المهدي المهندس) الذي حاول اغتيال الأمير الخليجي رئيس الدولة عام 1985؟ بل وصلت الوقاحة بأحدهم ليكتب قائلًا بأن موت (القائدين) سليماني والمهندس سيولد عشرات القادة بعدهما، كما ظهر (حسن نصرالله) بعد اغتيال *(عباس الموسوي)*!
الهدف من هذا المقال ومقالين سابقين (قطر وإيران وثالثهما الشيطان) و (سياسة سميرة توفيق)، هو تحذير الأجيال (العربية) من الانجراف خلف الدعايات الزائفة المستترة وراء شعارات الدين والمقاومة والممانعة وغيرها من الشعارات الأخرى، وتنبيه أبناء وطني (السعودية) من خطورة الحسابات العنصرية والطائفية والحقوقية التي يبدو ظاهرها التحزب القبلي / الطائفي أو المطالبة بالحقوق بينما هي تسعى لتأجيج فتن داخلية وتفتيت الوحدة لهذه (المملكة) التي وحدها مؤسس البلاد الملك عبدالعزيز رحمه الله، والعاقل من اتعظ بغيره.
وأخيرًا..
لكل خائن لوطنه وأمته، ممن يستغل (تدين) الشباب و(وطنيتهم) و(حماسهم) لقضايا مجتمعاتهم، نكرر ما رددته (أم كلثوم) في قصيدة كتبها (عبدالفتاح مصطفى):
سقط النقاب عن الوجوه الغادرة … وحقيقة الشيطان باتت سافرة.