د. عبدالحفيظ محبوب

هل تتحول السعودية إلى وجهة سياحية عالمية؟

تهدف السعودية أن تكون واحدة بين أكثر 5 دول تستقطب السياح عالميا، بنحو 100 مليون سائح ، حيث تأتي فرنسا في المركز الأول بجذب نحو 85 مليون سائح ثم الولايات المتحدة بنحو 70 مليون سائح، فأسبانيا بنحو 60 مليون سائح، ثم الصين فإيطاليا بنحو 48 مليون سائح، وحسب المدن فتأتي بانكوك بجذب نحو 20 مليون سائح، ثم لندن فباريس فدبي رابع دولة عالميا والأولى عربيا بنحو 15.8 مليون سائح، وإجمالي عدد السائحين الدوليين وصل إلى 1.33 مليار سائح في 2107 بزيادة 84 مليونا عن العام السابق، وأكثر مطارات العالم ازدحاما مطار اتلانتا بالولايات المتحدة بنحو 103 مليون مسافر، ثم بكين بنحو 95 مسافر، فدبي بنحو 88 مليون مسافر، ثم طوكيو فلوس أنجلوس فشيكاغو ثم لندن، وحقق قطاع السياحة في الولايات المتحدة زيادة قوية في الصادرات التي حققتها السياحة التي بلغت 1.6 تريليون دولار في 2017، ما جعل قطاع السياحة ثالث أكبر قطاع الصادرات في العالم.

ستركز السعودية على السياحة الثقافية الضاربة في جذور التاريخ ولا يزال يلفها كثير من الغموض البداية كانت بإنشاء 144 متحفا خاصا خمسها في العاصمة، وهناك أكثر من عشرة آلاف موقع تاريخي، وستتولى الدولة بإنشاء أكبر متحف إسلامي في العالم مستندة في ذلك إلى إرثها التاريخي للسعودية والعمق العربي والإسلامي، حيث تعود آثارها إلى آلاف السنين فهي مكان لحضارات دينية بائدة وممر للأنبياء، وقصة إبراهيم عليه السلام في بناء الكعبة مع ابنه إسماعيل عليهما السلام حاضرة، وكذلك في أداء مناسك الحج الكائنة في منسك الجمرات، وهجرة رسولنا عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم من مكة إلى المدينة طريق غني بمواقع أثرية عديدة.

فالسعودية غنية بما تحتضنه من مواقع أثرية مثل مدائن صالح وأخدود نجران بقصته المشهورة في القران الكريم، إلى جانب المواقع السياحية والترفيهية التي أشرفت علي رعايتها الدولة باعتبارها ثروة قومية وقطاع لا يمكن إهماله وكل دول العالم تتسابق على جذب السياح حيث تتمتع المنطقة الجنوبية الغربية من المملكة من جنوب الطائف حتى أبها فهي تتمتع بمناطق جذابة خلابة ومن خلال جولة خاصة قمت بها إلى الباحة وبلجرشي القريبة من الطائف والتي لا تبعد أكثر من ساعتين من الطائف فهي تتمتع بغابات ومناطق سياحية جاذبة بشكل خاص للسياحة المحلية التي اهتمت بها الدولة باعتبارها ثروة قومية وتتواجد بها جميع الخدمات وتتمتع برعاية خاصة من الدولة وبشكل خاص غابة رغدان التي تعد من أهم الوجهات الاستثنائية للسياحة في الباحة.

ولن تكتف السعودية من أن تكون وجهة سياحية للداخل بل خططت إلى أن تكون وجهة سياحية للعالم أيضا مستثمرة ثقة العالم بمتانة السوق السعودي وفرصها الواعدة حيث استطاع السوق السعودي استقطاب 115 مليار ريال تزامن ذلك مع إطلاق مشاريع سياحية كبرى وإقرار تنظيمات محفزة للاستثمار في القطاع السياحي.

ووفقا لاستراتيجية السياحة الوطنية ستستقبل السعودية 100 مليون زيارة سنويا بحلول 2030 في مقابل نحو 41 مليون زيارة في الوقت الرهن، وتهدف أن تحقق عائدات تصل إلى 10 في المائة بدلا من 3 في المائة من إجمالي الدخل القومي حاليا، فيما ستصل عدد الوظائف في القطاع إلى 1.6 مليون وظيفة مقابل 600 ألف وظيفة في الوقت الحاضر.

قطاع السياحة في السعودية هو القطاع الأكثر نموا في العالم بعدما وقعت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني والهيئة العامة للاستثمار عددا من مذكرات التفاهم والاتفاقيات مع شركات استثمارية محلية وعالمية في قطاع السياحة بقيمة إجمالية تبلغ أكثر من 100 مليار ريال.

تأشيرة السياحة التي حددتها الدولة لـ49 دولة للمرحلة الأولى يمكن الحصول عليها من عدد من المنافذ البرية وعدد من المطارات علاوة على ممثلي السفارات والقنصليات في الخارج في نصف ساعة بصلاحية عام وتكلفة 117 دولارا فقط،، ويمنع للسياح غير المسلمين دخول مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكذلك يمنع السائح أقل من 18 عاما إذا كان بمفرده، ولا يسمح استخدام تأشيرة السياحة في العلاج الطبي أو في أداء الحج والعمرة في أوقات الحج لكن باقي الأوقات مسموح أداء العمرة.

عاش المجتمع السعودي في 2019 وسيعيش في 2020 مزيجا من التحولات العميقة جدا، إذ أحدثت التطورات التنموية الكبرى تحولا فكريا في الذهنية الجديدة للسعوديين مع تسارع معدلات التغير الثقافي والاجتماعي نتيجة التوسع الديناميكي في حراك المشاريع العملاقة والتعديلات الجوهرية في بعض القوانين والأنظمة.

حيث من الخطأ اعتبار الفلسفة اختراع أوربي أوجدته المعجزة اليونانية، فيما كل الثقافات لها نصيب في الفلسفة وبشكل خاص الإسلام، والفلسفة ليست غريبة عنه بل الإسلام وتراثه غني وثري بالاتجاه الفلسفي حيث بحث الفلاسفة في الإسلام طبيعة الوحي وطرق التأويل والفرق بين العبادة والعبودية وهي تتجاوب مع وتتواصل مع واقع اليوم والمستقبل ولم تعد الفلسفة الإسلامية فكر ماضوي كما يعتقد البعض، بل إن الفلسفة في الإسلام أكثر انفتاحا من الفلسفة في أوربا التي أضحت الفلسفة هي التنوير ذاته بل إنها في تماهيها ذلك أغلقت الباب أمام كل نقد للتنوير.

 صحيح هناك من اختزل الفلسفة في الإسلام وجعل الهوية التاريخية في الانتماء الديني فقط، فيما هي واقعيا أكبر من ذلك بكثير باعتبار أن السياق التاريخي أفرز مفاهيم أيديولوجية لكن يغيب عنهم أن الدين الإسلامي المرجعية ولا يمكن اختزاله في السياق التاريخي، وإنما هي اجتهادات بشرية أتت على حساب فهم الواقع المعاصر الذي يعاني أزمات بشرية متشابكة بفعل تداعيات العولمة.

 يجب أن تكون حتى الفلسفة الإسلامية بأفق كوني وإنساني كما دعا إلى ذلك الدين الإسلامي لا أن تكون الفلسفة الإسلامية مؤطرة بسقف معين تلتزم بإطار الإملاء كما أن من يتحدث عن الفلسفة الإسلامية يخطئ فهم الدين لكن دعوة الدين الإسلامي أن يتحول الفيلسوف إلى فيلسوف إنساني من دون نعت الآخر من اجل تقديم حلول إلى الإنسانية ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ).

لذلك تولت وزارة الثقافة في حلحلة العديد من الملفات التي ظلت لعقود ساكنة وإطلاق أول برنامج للابتعاث الثقافي في تاريخ السعودية الذي يتيح فرصا تعليمية نوعية للطلاب والطالبات السعوديين من خلال دراسة التخصصات الثقافية والفنية في أبرز الجامعات العالمية بعدما كانت البعثات السابقة في قطيعة مع التخصصات الثقافية والفنية استمرت لعقود إلا في حالات أكاديمية استثنائية كبعثات أكاديمي الجامعات.

إعلان وزارة الثقافة ابتعاث الطلاب السعوديين في تخصصات عدة كالآثار والتصميم والمتاحف والموسيقى والمسرح وصناعة الأفلام والآداب والفنون البصرية وفنون الطهي يؤكد تعويل الدولة في بناء القدرات في القطاع الثقافي على التعليم كونه جوهر مشروعها الثقافي.

 بذلك انتهت عقود القطيعة مع الفنون ومحاربتها، بينما تتجه الدولة اليوم لبناء قطاع ثقافي يليق بمكانة السعودية وتاريخها وحاضرها ومستقبلها حيث تعيش السعودية على زخم التحولات الضخمة على كافة الأصعدة والتي انبثقت من رؤية المملكة 2030 وعرابها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يؤكد في كل مناسبة قدرة السعوديين على قيادة التطور ورسم مستقبل مشرق ومزدهر لبلادهم الغنية بمواطنيها ومواردها.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button