يقولون إن التاريخ لا يعيد نفسه، ولكن الأحداث تتشابه وما أشبه الليلة بالأمس القريب عندما اجتمع في شتاء 1945 ثلاثة زعماء أطلق عليهم في حينها الثلاث الكبار وهم ونستون تشرشل، وروزفلت، وستالين، في منتجع “يالطا” على البحر الأسود لمدة ثلاثة أيام، وكان من النتائج التي أسفرت عنها هذا المؤتمر هو تقسيم ألمانيا ومحاكمة أعضاء الحزب النازي كمجرمي حربي!!
فهل يتكرر هذا المشهد مع الحالة الليبية؟
اليوم وبدعوة من ألمانيا يجتمع الخمس الكبار في مجلس الأمن، بالإضافة إلى الدولة المستضيفة ومصر والإمارات، والجزائر، وإيطاليا،وتركيا، والكونغو نظرًا لتكليف الاتحاد الأفريقي رئيسها قبل ثلاث سنوات، برئاسة لجنة رفيعة تعنى بالأزمة الليبية، وعددًا من المنظمات الدولية الفاعلة، وفي اللحظة الأخيرة تم توجيه الدعوة للفرقاء في ليبيا السراج، وحفتر.
بالنظر إلى المخرجات المتوقعة من مؤتمر برلين عطفًا على تأجيله، عدة مرات، وقصر الدعوة في أول الأمر على الدول الخمس أعضاء مجلس الأمن الدائمين!! ثم التوسع بدعوة آخرين فاعلين في الملف الليبي، ثم ما حدث من اجتماع في موسكو بين حفتر والسراج برعاية روسية، وترتيب تركي!! وما صاحبه من انسحاب القائد الليبي حفتر ورفضه التوقيع على المبادرة المقدمة، والتي أعدت في الليل بهدف اغتيال الجنرال سياسيًا، واعترافه ضمنيًا بحكومة السراج، التي انتهت المهلة الممنوحة لها في اجتماع الصخيرات، دون أن تنجز المطلوب منها، وفشلها لمرتين في الحصول على ثقة البرلمان الليبي.
نجاة الجنرال حفتر من الوقوع في الشرك المنصوب له من قبل أردوغان، في التوقيع على مسودة الاتفاق الليبي، والذي يعني مباركة ما أبرمته حكومة السراج من اتفاقيات اقتصادية وأمنية مع تركيا، حيث ألقى الانسحاب التكتيكي من الجنرال بظلاله على الملف الليبي، وأضاف عوامل وأسبابًا جديدة للقلق والتوتر محليًا وإقليميًا، فتركيا تسعى للسيطرة على هذا البلد العربي وتتريك أرضه وأهله، ونهب خيراته، فقطع حفتر الطريق بانسحابه السريع من موسكو، بالإضافة إلى اختلاف رؤية الدول المدعوة لمؤتمر برلين لليبيا والمصالح المختلفة لكل منها، يجعلنا نتنبأ بعدم جدوى مثل هذه الاجتماعات والمؤتمرات التي تسعى لعلاج العرض، والتغافل عن المرض.
ليبيا تمتلك أولويتين رئيستين: يمكن تسميتها بقواعد اللعبة الليبية التي تنفذ بيد أبنائها فقط، وتتلخص هاتان الأولويتان في بناء الثقة بين المكون الليبي أولًا، وهذه تتضمن عملية ضرورية قصيرة إلى متوسطة المدى، تركز على المصالحة الوطنية، والاتفاق على إخراج جميع المليشيات الأجنبية دون استثناء من ليبيا، حيث تكمن مشكلتها الأولى في كونها أمنية قبل أن تكون سياسية، وتفعيل قرار مجلس الأمن بحظر السلاح على جميع الأطراف، والأولوية الأخرى تتمثل في العمل على بناء الأمة من خلال الانخراط في عملية بعيدة المدى لاستعادة وبناء شرعية الدولة ومؤسساتها الرسمية، ويمكن الاستفادة من مخرجات اجتماع الصخيرات في نهاية 2015 لخلق فضاء من الوحدة الوطنية التي يمكن أن تزدهر البلاد في إطارها، والعمل من خلال جامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي فهما منظمتان إقليميتان، يهمهما بالدرجة الأولى أمن واستقرار ليبيا، حتى وإن كانتا ليستا بحجم الأمم المتحدة ومجلس الأمن اللذين لم يحركا ساكنًا في الشأن الليبي.
وقفة:
السياسة .. هي فن البحث عن المتاعب، وإيجادها سواء كانت موجودة أم لا، وتشخيصها بطريقة غير صحيحة، وتطبيق العلاج الخاطئ – بن آرنست–