يروي أكرم زعيتر في كتابه «بدوي الجبل وإخاء أربعين سنة» نقلا
عن بدوي الجبل ما يلي:
كنا مدعوين إلى تأبين أحمد شوقي في أربعينه في القاهرة،
و أُجْلِسنا معشر الشعراء على المسرح، وقد امتلأت القاعة بالحضور..
وكان الشاعر خليل مردم بك بقربي ولمحنا فلانة (وسمى شاعرًا
نظامًا من لبنان) يدخل القاعة، ويصعد المنبر. فتساءل خليل مردم
بك: «ومن الذي دعاه؟ أيجوز أن يكون مثله في صف مؤبني شوقي في
هذا الحفل؟» (جملة اعتراضية من كاتب هذه السطور: لاحظ الغيرة
بين الشعراء ! حتى على التأبين لا تخلو من الحسد .. ولكن تلك قصة
أخرى) فأجبته: «اصبر وسترى ما يسرك!». .
ودعي المذكور إلى إلقاء قصيدة فلم يكد يتلو البيت الأول بإلقائه
البديع حتى دوْت القاعة بالتصفيق واستعيد البيت، وتصاعد
التصفيق الحاد، وصاح أحدهم: «والله إن مثل هذا الشعر لا يجوز أن
يتلى إلا ونحن وقوف». فوقف الجمهور، ووقفت وخليل مردم بك تحية
لهذا الشعر مع الواقفين وأمرنا لله، حتى أنهى القصيدة في عواصف
من التصفيق، وأخرج مردم بك علبة سجاير من جيبه وكتب على
ظهرها عبارة سخرية لاذعة من جمهور کهذا أ. هـ
حسنا.. يا بدوي الجبل العظيم.. يكفيك أن أحدا لم يعد يتذكر
الشاعر النظام (المذكور) وتبقى أنت.. وتبقى:
غاب عند الثرى أحباء قلبي
فالثرى وحده الحبيب الخليل
خيمت وحشة الفراغ على الأحباب..
.. فالقبر وحده المأهول
ألف هيجاء ځضتها لم تجد لك..
.. أحقا أنت الصريع الجديل!؟
ويبقى ما قلته في حفيدك أجمل ما قاله شاعر عربي في حفيده:
تود النجوم الزهر لو أنها دمي
ليختار منها المترفات ويلعبا
وعندي كنور من حنان ورحمة
نعيمَي أن يغري بهن وينهبا
يجور.. وبعض الجور حلوٌ محببا
ولم أر قبل الطفل ظلمًا محببا
ويغضب أحيانا. ويرضى.. وحسبنا
من الصفو.. أن يرضى علينا ويغضبا
يزفُّ لنا الأعياد: عيدأ إذا خطا
وعيدأ إذا ناغى .. وعيدًا إذا حبا
المعذرة يا بدوي الجبل…كدت أقول «أعد!»..
ولماذا كان الشعر العربي ظاهرة غير صحية؟!؟
قطع كسرى لسان لقيط بن يعمر الإيادي.
أما طرفة بن العبد فقطعت يداه ورجلاه ودفن حيًا.
وقطع عرق عبديغوث الحارثي حتى مات وهو ينزف.
وحبس النعمان عدي بن زيد العبادي وقتله.
وقتل النعمان عبيد بن الزبرحي (بالعرق ذاته!).
ودفن المنخل اليشكري حيا.
وحرقت قبيلة بني الحسحاس عبدها سحيم حرقا.
ودفن الوليد بن عبدالملك وضاح اليمن حيا في بئر
وقتل یزید بن الطثرية.
وقتل الحجاج أبا جلدة اليشكري.
وصلب المهدي صالح بن عبدالقدوس.
ومات بشار بن برد ضربًا بالسياط.
ومات ابن الدمينة في السجن.
وقتل المأمون علي بن جبلة (العكوك)
ومات الزيّات في تنور.
ومات محمد بن صالح العلوي في سجن سر من رأي.
ومات ابن الرومي مسمومأ .
ومات المتنبي مقتولا . ومات أبو فراس مقتولا.
ومات التهامي في سجنه .
وقتل المعتمد محمد بن عمار بنفسه.
ومات ابن هاني الأندلسي مخنوقة بتكة سراويله.. إلخ.. إلخ.
لا بد من الوقوف عند هذا الحد.. فأنا لا أريد أن أرعب الشعراء
المعاصرين.. ولا أرعب نفسي.. وسامح الله الذين يكررون أن الشعراء
العرب لم يعرفوا إلا المديح.. سامحهم الله… و وقاهم شر الموت
مخنوقين بتكة سراويلهم..