المقالات

تأملاّت وقراءات لواقعنا المؤلم (٢) !

طبيعة الصراع الأمريكي الإيراني في المنطقة( قراءة متأنية للموضوع )!!!
مضى أكثر من أربعين سنة ( 1979 ـ 2020م ) ‌ من الحرب الباردة بين أمريكا وبين إيران ، والعالم بأسره سياسيه وصحفيه وعسكريه ومفكريه قد وقع في حيرة وأمر مريج في تفسير لغز هذه العداوة والحرب المعلنة التي لم تولّد ولم تنتج يوما من الإيّام إلا قربا ووصلا ومراعاة للمصالح المشتركه‌ بين الطرفين المتصارعين طول هذا الوقت !
فإيران تصف الولايات المتحدة الأمريكية منذ تأسيس جمهوريتها على أيدي مؤسسها ( الخميني ) وإلى يومنا هذا بالشيطان الأكبر ( شيتاني بزرگ ) !
كما أنّ أمريكا تصف إيران بإحدي أكبر محور الشرّ والفتنة في العالم ، ولا ينتهي أسبوع أو شهر إلا ونسمع أنواعا من التهديدات من الطرفين ، حتى كان آخر هذه الإتهامات من أمريكا لإيران ؛ أنها أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم وأنها سبب كل القلاقل والفتن والمسؤل المباشر عن الإرهاب في المنطقة بأسرها ( منطقة الشرق الأوسط ) !!!
وبين الفينة والأخرى يحدث بعض المناوشات بين الطرفين ، يحسبها الجاهل بأمور السياسة والمصالح أنها النهاية ، وسوف تقوم حرب ضروسة بين الطرفين المتخاصمين ! لكن في الواقع تأثيرها لا يتجاوز تأثير تشاجر بعض النساء والتلاسن مع بعضهن ، والتي تنتهي بأقوى حالاتها بالكفش كما هو عادة النساء في ( الكُون ) بعد التلاسن والتلاعن !
وهذا الأمر المحيّر جعل المحللين السياسيين والعسكريين وكذا المفكرين المهتمين بالشؤون الدولية ينقسمون إلى معسكرين اثنين إزاء هذه الظاهرة الغريبة :
المعسكر الأول : وصل إلى قناعة إلى أن لا حرب ولا مشاكل بين الدولتين ، وأنّ كل مايجري من الحروب الباردة الكلامية ماهي إلاّ ذرٌ للرماد في العيون ، وأن الدولتين تتظاهرنان العداوة ، وتبطنان المحبّة والتعاون ومراعات المصالح ، وليصدقهم الجهلة والأغبياء ومن في ضلالهم يعمهون ، الذين لايفرّقون بين يمينهم وشمالهم !.
والدليل على ذلك أن أمريكا لم تفعل شيئا تجاه هذا العدو اللدود ! منذ عقود إلاّ التهديدات ، بل والتمهيدات لسيطرة إيران على المنطقة وابتلاعها وتدميرها وتخريبها ، كما مهدت لها في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها !!!
حتى أن عددا من كبار رؤوس النظام في إيران قد صرّحوا بما لا يدع مجالا للشكّ أن أمريكا لم تكن تستطيع أن تنجح في حروبها في أفغانستان والعراق وغيرها لولا مساعدة إيران لها !!!.
كما كانت طائرات ( أمريكا ) في العراق وسوريا حصن فيلق القدس والحشد الشيعي وساعدهم الأيمن في حروبها ضد الشعوب والفصائل المنتفضة ضدّ الحكومات الفاسدة ، تحت ستار مكافحة التنظيم المتشدد ( داعش ) !
أما المعسكر الثاني :
وهم قلّة من المحللين يرون أنّ الدولتين في حالة حرب واستنفار وأنهما متربصان ببعض ، وأنهما يعدّان العدّة للمواجة في يوم من الأيام اذا اقضتى الأمر !
ودليلهم ما حدث من المناوشات والفعل وردّ الفعل من الطرفين ، كما قام نظام الخميني بسجن عدد من الدبلوماسيين الأمريكين المتواجدين في السفارة الأمريكية في طهران بعد الإنقلاب على شاه إيران سنة ( 1979م ) وبعض التهديدات الفعلية التي حصلت في مياه الخليج ومضيق هرمز وباب المندب وغيرها ضد ناقلات النفط وضرب بعض السفن وإسقاط الطائرة الأمريكية المسيّرة في العام المنصرم ، وكحرق جزءمن السفارة الأمريكية في العراق قبل حوالي شهر ، وغيرها من الأمور ، وقتل مقدّم جيش الفرس رستم العصر ( قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ) وعدد آخر من قيادي فيلق القدس والحشد الشيعي في العراق واليمن وسوريا من قبل الأمريكان ، وقيام الحرس الثوري الإيراني بقصف معسكرين لأمريكان في العراق بصواريخ باليستية عابرة للقارات والتي لم تقتل حتى جرذا واحدا من الجرذان في ذلك المعسكرين للأمريكان !
كي نقف على حقيقة ما يجري بين الأمريكان وإيران لا بدّ من وضع النقاط على الحروف ، حتى لا نقع في حيرة من أمرنا وحتى لا تذهب بنا الخيالات والتكهنات يمنة ويسرة :
1 ـ إن وجود وبقاء كلا الدولتين فعّالتين وحيويتين في المنطقة يستنزفان بلاد العرب والمسلمين ويبتزانها ، ويثيران القلق والخراب فيها ، مرهونان بالتفاهم الضمني ومعرفة الأخ الأكبر والأصغر من الطرفين ، أو معرفة الشيطان الأكبر من الشيطان الأصغر ، حتى تستقيم الأمور وتمشي الأحوال !
2 ـ إنّ أمريكا لم تجد من يخدم مصالحا في المنطقة مثل إيران ، مع وجود بعض المنغّصات والمناوشات والكفشات التي لابدّ لها بينهما بين الفينة والأخرى ، لكنّها لا تصل إلى حدّ القطيعة !
3 ـ لم تجد أمريكا من يخدم أيدولوجيتها ومساعدتها في حربها الدينيّة المقدّسة المبطنة على الإسلام والعرب مثل الحليفة تهران (طهران ) !
4 ـ لم تجد أمريكا من يحارب الإسلام الصحيح في أصوله وعقائده وتأريخه وحضارته ونضارته بجدّ وشراسة وقوّة مثل إيران وذيولها القرامطة ، حيث أن وجود إيران وإطلاق يدها في المنطقة يعني : القضاء التّام والإجتثاث لكلّ ما هو الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهذا هدف من أهداف أمريكا والغرب الذي يسعون إليه منذ عقود ولا يستطيعون الوصول إليه ، فإيران قد قام مقامهم وسدّ مسدّ غرضهم ! .
5 ـ إن أمريكا جعلت من إيران شرطي المنطقة ( والبُعْبُع ) في عيون المسلمين ، والعرب منهم خاصّة ، لإستذلالهم ، واستحلابهم ، ونهب خيراتهم وثرواتهم ، وصيدهم في الماء العكر الذي خلطته إيران ، ولو لاها لما استطاعت أمريكا هذا النوع من الصيد !.
رسالة مرّة للمسلمين والعرب منهم خاصّة :
1ـ ليعلم جميع المسلمين وفي مقدمتهم العرب أن الأمريكان لو خيّرت بين الصداقة الحقيقية بينها وبين الأمّة الإسلامية جميعا ( وفي مقدمتها العرب ) وبين إيران لوحدها لاختارت إيران !
ولعادت الأمّة بأسرها من أجل عيونها السود كما يقال !.
وقد رأيت تصريحات لبعض كبار القادة منهم في ذلك !
وعلى العرب والمسلمين أن يعوا ذلك جيّدا ويحملوها محمل جدّ ، ولا يخفوا رؤوسهم أو يدفنوها في الرمال ، فإن ذلك لا ينفعهم !.
2 ـ لو لم يكن الأمريكان لما تجرّأت إيران وسيطرت على أربع أو خمس من الدول من البلاد العربية والإسلامية ، فهي أخسّ في أن تقدر بسط نفوذها في المنطقة ، لولا اطلاق المجال لها من قبل الأمريكان !
وفي المقابل لم ولن تستطيع أمريكا اسقاط أنظمة عربية واسلامية في المنطقة لولا الدعم المادّي والمعنوي واللوجستي الإيراني لها وقد صرّح بذلك علية القوم من الإيرانيين !
3ـ يعلم الغرب جميعا أن الفرس وأعوانهم القرامطة على امتداد التاريخ الإسلامي هم من كانوا سبب التخريب وأسباب القلق والفتن ضدّ المسلمين والعرب ، داخليا وخارجيا ! ولولاهم لكان علم الإسلام والمسلمين يرفرف على عدد كبير من بلدان أوربا والغرب عامّة اليوم ، والتاريخ خير شاهد على ذلك !.
4 ـ وليعلم جميع العرب والمسلمين أن دولة الخميني لم يؤت بها اعتباطا وإنما صنعتها الغرب صنعا في توقيت وتاريخ معين من تاريخ الأمّة ، فلا تخدعوا أنفسهم بتحليل غير هذا ، أو بنصح كذّاب متملق ممن يقدّمون لكم تبريرات أخرى من البطانة المبطّنة المنافقة التي ظاهرها شيء وباطنها شيء آخر !!!
5ـ وليعلم أيضا العرب والمسلمون أنّ سبب تواجد أمريكا في المنطقة ومن سلّم أولوياتها وأساسياتها فيها هي الحفاظ على الدولة العبرية بالدرجة الأولى ومصالحها المتشعّبة ثانية !
6ـ كما على العرب والمسلمين قاطبة أن يعرفوا ويعوا أن مصدر التحكم والقرار في أمريكا ليس بأيدي حكّامها وساستها بل بأيدي شرذمة من اليهود المتسلطين على جميع مفاصل القوّة والحيوية في الولايات المتحدة الأمريكية !
تقليم أظافر وتأديب وليس شيء آخر!!!
إنّ ما يجري في المنطقة بين الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر أي بين إيران وأمريكا ـ وإن كنّا لا نعلم في الحقيقه‌ أيهما فعلا هو الشيطان الأكبر وأيهما الشيطان الأصغر ! – يذكّرني بقصّة كنت أقرأها أيام طفولتي وهي :
أنّ جحا أزعجه لقلق كان يعيش معه في حقله ويعشعش كلّ سنة فيه ، ففكر جحا أن يبقي اللقلق حيّا ولا يقتله لكن يعمل له عملا تأديبيا لا يجعله بعد ذلك يتجرأ علی إزعاجه ويكون طوع أمره ، لكن في نفس الوقت لا يستطيع الطيران ولا الحركة الكثيرة أي يجعله ذليلا عبدا صاغرا رهن إشارته ، وكما يقال في المثل الشعبي ( يُنتفُ ريشه ! )! فمسكه بعد صيده ، وقصّ جناحيه ، ومنقاره ، ورجليه ، ثمّ وضعه على طاولة وخاطبه قائلا :
يا لقلق الآن تشبه الطيور ، ولك حقوق الطيور !!!
هذه هي قصّة أمريكا مع إيران !
فأمريكا في الواقع لاتريد إنهاء إيران وتدميرها أو الانقلاب على رؤوسها وأزلامها ، إلاّ أن تكون في خطط المخططين الكبار وراء الكواليس زرع واقع جديد في المنطقة بعد هذه العقود ،وقد تكون إيران والثورة الخمينية أصبحت في حكم منتهي الصلاحية ( أكسباير ) فهذا أمر آخر ، وهذا الخيار أيضا لا يستبعد بالنسبة لخطط الغرب وسادتهم الدولة العبرية ، حيث أن في خططهم ينبغي أن يكون لكلّ عصر دولة ورجال ، وخارطة جديدة لتقسيم الشرق الأوسط ، لأننا في الحقيقة لا نعلم ما يجري تحت الكواليس خفية ، وما تخبئه الأقدار ، خاصّة بعد مضي قرن على تقسيم بلاد الإسلام في معاهدة سايسبيكو المشؤمة !.
وإلاّ فسوی ذلك فالأمريكا تريد إيرانا لكن بشروط!
ـ إيرانا لا تملك برنامجا نوويا !
ـ إيرانا لا تملك صواريخ باليستية !
ـ إيرانا لا تمس المصالح الأمريكية في المنطقة !
ـ إيرانا لاتكون في المستقبل مصدر تهديد أو خوف ـ ولو بعد عهد ولاية الفقيه ـ للدولة العبرية!
ـ إيرانا يقتصر شرها وفتنها على العرب والمسلمين ، ولتفعل وتصنع ما تشاء من المشاريع والأمور في المنطقة بعد ذلك !
حصّة الأسد وحصّة الضبع والغربان !
إنّ ما تريدها الأمريكان أيضا من إيران هو من الممكن أن نشبهه إلى حدّ ما بحصّة الأسد ، فحين يصطاد الأسد فريسة بقوّته وجبروته ، يبدأ بأكل ما طاب ولذّ من فريسته بشراهة ، وبشراسةأيضا يبطش بكلّ من تراود نفسه من التقرب منها كالضباع والثعالب والغربان وغيرها من الوحوش والطيور ، ثمّ بعد ذلك يمكن للوحوش والطيور أن يقتربوا من الفطيسة وأن يتقاسموا ما تبقى منها !.
خلاصة الموضوع :
في رأينا المتواضع أن الأمريكان جادّون في إزاحة النظام القرمطي في إيران ، فيما إذا لم تقم طهران باستجابة أمريكا والتسليم والإذعان لشروطها مطلقا دون قيد أو شرط ، كما بيّنا ! وقد أدركت حكّام الفرس بالفعل الأمور المطلوبة منهم وأين موقعهم من الإعراب في الأيام المقبلة! .
وفي كلّ الأحوال فإنّ دولة الفرس قد حان قطافها ونتف ريشها ، وقد أكملت دورتها الحياتية الكونية ، وجميع الوقائع والدلائل والبوادر تشير إلى ذلك ، وأنها ستدفع ثمن ما فعلتها طول أربعة من العقود من تصدير الشرّ والفتن والدّمار والهلاك لبلاد العرب والمسلمين دون تفكير في عواقبها !
هذا هو ملخّص السناريوهات المتوقعةمن المشهد الإيراني الأمريكي في الأيام أو السنوات المقبلة !.
نصيحتي للأمّة المنكوبة !!!
إنني إذ أكتب هذه الأسطر أتجرّع الألم لسوء ما حصل لأبناء أمتنا مطلع هذا القرن الجديد والذي أعدّه واحدا من أسوء القرون والعصور التي مرّت بالأمّة منذ بداية تاريخها المشرق وإلى يومنا هذا ، حيث تكالبت عليها الأمم شرقيّها وغربيّها داخلها وخارجا حتى كدنا أن نفقد الأمل بكلّ شيء !
ونصيحتنا هي : نريد أن لا نفقد الأمل بالله ثمّ بأمتنا ؛شعوبا وحكّاما ، ونطمئنّ من أن الله سيقيض لهذه الأمّة أمر رشد ، وأن القاعدة الكونية والشرعيّة (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) سوف تتحقق في النهاية لهذه الأمّة ، وأن فجرا جديدا سوف يطلع عليها ، ولا أستبعد أن يتحوّل هذا القرن المأساوي المؤلم إلی قرن أمل ونصر وتمكين لها ، وقد بدت بوادر طلوعها فأبشروا وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ !
{ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ }(النحل:26) !
وأقول كما قال صديقنا الشاعر العراقي الملهم ، طيّب الله ثراه :
آمنت بالله أن الحقَ مُنتصرُ والظلمَ مُندحرُ والكفرَ منهار
آمنت بالله إيما عرفت به أن الزمان على الباغين دوار !
د. إبراهيم أمين الجاف .

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button