تأتي هذه المقولة (إن صحت تسميتها) دائمًا في مقام النقص، وهو بالتالي معيب في حق من يُقال له وبمعنى آخر فإن ما خالفت فيه ليس مبنيًا على قناعة يعضدها علم ولا تفكير يعضده تحقيق، بل فقط من أجل أن تُعرف أي أنك لا تملك ما يؤهلك فكرًا ومعرفةً ليعرفك الناس، ويشار إليك بالبنان، وهذا ما يرمي إليه هذا القول.
خالف تعرف في فكرة ما
خالف تعرف في قول ما
خالف تعرف في فعل ما
كل ذلك في نظرهم هو السبيل الوحيد للحصول على قيمة في الأصل أنك لا تستحقها وإني أرى مالا ترون.
خالف تعرف في نظري نستطيع أن نحولها إلى (تعرّف على من خالف لعلّه الوحيد الذي يعرف).
المخالفة تعني الخروج عن نسق يعمره الأكثر ويسلكه العدد الأكبر، وبالتالي أي الفريقين أحق بالحق وهل للعدد غلبة في الانتصار ومزية في الصحيح؟
تعلمون أن الحق لم يكن يومًا مرهنونًا بالعدد، بل على العكس وطالما ارتبط الحق بالقلة والباطل بالكثرة حتى باتت سنة متبعة وحقيقة مفرِعة.
كثيرٌ من الفلاسفة والمفكرين والكتّاب والمصلحين خالفوا إيمانًا بما يعتقدون واعتقادًا بما يؤمنون فصرحوا وأباحوا وبينوا وأذاعوا، ولم ترهبهم تلك المقولة، ولم يشتتهم ذلك التيار؛ ولذلك ذكرهم من خلفهم ودونوا ما خرج عنهم فقد عرف أن الحق في تلك المخالفة، وأن الحق في ذلك الخروج.
يزعجني كثيرًا تلك المقولة وغالبًا لا تصدر إلا عن عجزة عن الفعال وجبناء إلا من الأقوال ولا سبيل لديهم في تمزيق الفاضل وتهوين الجهود إلا بتلك المقولة وأضرابها، وإلا فما يعني الابتكار إن لم يكن مخالفة تعرف ومعرفة تخالف وماذا سنسمي السابقة التي لم تدرك والذي نبغ فيه مريدو العلم ورواد المعرفة؟
بل وماذا ينفعنا من وهب نفسه للتحقيق والتنقيب في أمهات الكتب؟ أليس للخروج برأي قد يخالف فيخرج برأي قد يصبح فيما بعد بصمة تذكر وخصيصة تشكر؟
وأخيرًا ليس بالضرورة أن يكون ما تراه مخالفًا هو فعلًا مخالفة بينه وغريبة مشينه فقد تكون مخالفة عن جهلك، وحديثة على علمك.
تتبع ما تراه مخالفًا عقلك وتبيّن قبل أن تلصق علية تلك السمة.
ومتى كنت تملك أدوات النقد الصحيح ومعوله الدقيق فأطلق ما تريد على من تريد المهم أن تصيب.
غرد بـ
تعرّف على من خالف لعلّه الوحيد الذي يعرف.
———————
@ryalhariri