يقول المثل الشعبي:
الشمس لا تغطّى بغربال ومعناه أنّ الظروف إذا حاولت أنْ تحجب الكبار عن الظهور أو التصدّر للمشهد، فإنّ أعمالهم وإنجازاتهم وأفكارهم وابداعاتهم، ستشرق بهم، وستبقى خالدة حتى لو تغيرت الأحوال أو جارت الأيام أو انتقلوا إلى دار الحق.
أحبتي:
عجباً لهذا الزمن الذي أصبح المفكر والمبدع يتساوى مع من يكتب على حيطان دورات المياه- أجلكم الله- بل أحياناً يفوقه مكانة وقدراً في مجتمعنا، وهذا ما نشاهده ونلمسه عندما نجد التبجيل والتقدير لبعض أبطال السوشيال ميديا كالسناب شات والانستقرام ونحوهما، من قِبل بعض الوزارات التي ترفع من قدرهم في منصّات التكريم، وكأنّهم يقفون على الحدّ الجنوبي منافحين ومدافعين، بينما نجد الكثير والكثير ممن خدم هذا الوطن سواء في الرياضة أو الأدب أو التربية أو المجال العسكري يستجدي من يلتفت له وفاءً لما قدمه ، فضلاً عمن نسمع عنه، بـأنّه مُـلقى في المستشفى أو يقبع في بيت متهالك، بينما التافهون يتباهون بالأعطيات والإكراميات نتيجة تراقصهم و استهبالهم على المجتمع، من خلال نصائحهم الساذجة أو حكاياتهم السامجة التي لا تُــنْــبئ عن فكر أو إبداع ، بل عن ضحالة عقلية وتفاهة أخلاقية.
حقيقةً نحن نعيش في زمن الرويبضة الذين حذّر منهم المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهو خطورة تسلّــطهم على البنية الفكرية للمجتمع، من خلال نشر أيديولوجيات تخالف النمط العام، فضلاً عن تمرير توجّهات وسلوكيات وافدة لا تمتّ للدين أو للأخلاق بصلة.
أحبتي:
إنّ ما نشاهده اليوم من انفتاح على بعض أبطال السوشيال ميديا، ممن نذر نفسه للتفاهة وقلّة الوعي، يدعونا لإعادة النظر في بعض مسؤولي الوزارات، الذين يستضيفونهم على أنّهم من الطبقة المخملية في المجتمع، ناهيك عن تهــافت الإعلام عليهم، وكأنّهم بوضاعة طرحهم، قد حققوا للبلد إنجازاً عالمياً نُحْــسد عليه.
إنّ صناعة الفكر وانتاجه يتطلب أرضاً خصبة تتوالد فيها روح الإبداع لتطرح وتناقش كل شيء وفق معايير تحترم ثلاثة أمور وهي ( الدين والوطن والأخلاق) لكي ينتج عنها جيلاً يعتني بالأفكار ويتدارسها ويأخذ ما يناسبه منها حسب تجربة المجتمع لها، ناهيك عن تحسين حياة الأنسان وطريقة عيشه، ورفاهيته كمستخلف في الأرض ، ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا عندما يتم وضع كل من خدم هذا الوطن في أي مجال في موطن التكريم والشكر.
للأسف إنّ الموقف الذي رأيناه في الأسبوع المنصرم من استجداء الأديب جارالله الحميد للــفتة تحيي في داخله نور السعادة كانت بمثابة طعنة في خاصرة المجتمع برمّته، الذي نسي أو تناسى ابداعاته وتألقه ، بينما في المقابل نجد بعض أفراده يمــجّـــد التافهين والتافهات.
إنّ تقدم الشعوب ورقيها لا يكون إلا من خلال المؤثرين بها، سواء في الجانب العلمي أو الفكرين، ناهيك أنّ الانجازات والإبداعات لا تكون إلا بسواعد أبناءها في شتى المجالات التي تعكس الصورة المشرفة لهم.
أما من يرى أنّ بعض ( المُــتـميْـــلحــون والمُــتمـيْـلحات) في السوشيال ميديا أبطال وطنيون فنقول له : ” تبّــــاً لك ” ولتفكيرك ولمن يتعامل معك.
بالله عليكم كيف يكون مؤثراً أو من وجهاء القوم من يهتك ستر الله عليه، فلا يظهر للناس إلا بكلام لا يليق أو بتصرفات تتنافى مع المروءة، فضلاً عن أهله وأًصدقاءه ممن يظهرون معه مؤمنين بأنّ تصرفاته وأقواله مما يتشرف بها الإنسان.
إنّ الانحدار في الذوق العالم اجتماعياً، نستطيع أنْ نراه اليوم في وسائل التواصل، لأنّها كشفت لنا نوعيّة الأشخاص المتابعين للــمشاهير، الذين دأبــوا الضحك على عقول الناس بتفاهاتهم، حيث صاروا لهم كالأبواق التي تصمّ الأذنين، من خلال مديحهم والثناء عليهم، بينما نرى نظراتهم بازدراء لكل من خدم هذا الوطن وأفنى حياته في الطرح الراقي، لأنّه لم يتراقص لهم.
أحبتي
سيقول البعض:
لكل وقت أذان، وقد ولّى وقت من تتحسّر عليهم، فضلاً عن تغيّر الفكر الاجتماعي والاهتمامات والثقافة العامة.
أقول لهم :
إنّ الأمّة التي تتنكر لماضيها وتنخلع عنه وترميه خلف ظهرها ، أمّة لا حاضر لها ولا مستقبل ، بل ستكون كالحاوية التي تُرمى فيها مخلفات الأمم فتنخلع عن جذورها ديموغرافــيّــاً ، وتصبح مستحبة فكرياً و ذوقياً.
أنا لا أطلب المستحيل، ولكن أرجو من الوزارات والهيئات الموقّرة الثقافية و الرياضية و التعليمية و الإعلامية أنْ تُكْــرم من كان لهم بصمة في مسيرة الوطن ونماءه وتجعل منهم رموزاً نفتخر بها في الــمحافل الدولية.
لأنّ ما نشاهده من استجداء للرحمة في وسائل التواصل من بعض من كان لهم تألق في يوم من الأيام لــهو وصمة عارٍ في جبين المجتمع يحتاج منا إلى اللتفاتة تساهم في رفع معاناة محتاجهم وتوقير كبيرهم، بل تكريمهم والاحتفاء بهم فهم رموز خدمت الامة بإخلاص وأقل وأبسط حقوقهم أنْ يجدوا يداً حانية وكلمة لينة قبل موتهم ، فما الحاجة من التكريم إذا فُـــقِـــد من يستحقه وأفنى حياته فيه ، حتى ولو كان ورثته لهم حق في ذلك ولكن هو أولى ألف مرة منهم .
همسة :
لا تسقني ماء الحياة بذلة.. بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
بقلم :