المتابع للنظام الإيراني يلاحظ دون عناء لجوءه عند كل أزمة خانقة يتعرّض لها، إلى رفع شعار سلاح الحوار بدلًا من حوار السلاح!!“فالجار قبل الدار“ الذي كتبه وزير الخارجية الإيراني في الثالث من أغسطس 2015 ونشرته عدة صحف عربية، وسبقه بعامين مقال آخر نُشر في الشقيقة الشرق الأوسط بعنوان “جيراننا أولويتنا” وكعادة النظام الإيراني في المراوغة وإجادة التنظير، واعتقادهم بسهولة خداع العرب البسطاء، لم تتخذ أية خطوة إيجابية من طرف الداعي كبادرة حسن نية وعربون يترجم مضمون هذين المقالين والرغبة إلى الواقع الذي دعا إليه السيد ظريف، لكن العكس هو ما قامت به بلاده المتحضرة!!
في الثالث عشر من أغسطس 2015 أي بعد عشرة أيام فقط!!من دعوة ظريف لحسن الجوار، ألقت الأجهزة الأمنية الكويتية على خلية حزب الله الكويت الإرهابية وبحوزتها كمية كبيرة من الأسلحة والمتفجرات، كما أعلنت عنها الداخلية الكويتية، 19طنًا من الذخيرة، و144 كيلو جرامًا من المتفجرات، و68 سلاحًا متنوعًا و204 قنابل يدوية؛إضافة إلى صواعق كهربائية، رأى مراقبون وخبراء أمنيون في كميتها الهائلة وتنوعها قدرتها على إحداث هزات عنيفة على أمن الكويت، ومصالحها الحيوية، وشخصياتها السياسية، هذه هي لغة إيران ومفهومها للجار والحوار الذي تنادي به كلما ضاقت على دائرة الخناق الدولية.
في مقابل دعوات خليجية صادقة للحوار والتعايش، والاحترام المتبادل، وهذا ما تؤكده البيانات الختامية لدول مجلس التعاون، التي ترسل دعوات راقية وصادقة للنظام الإيراني على ضرورة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والعمل الجماعي على أمن واستقرار المنطقة، واستثمار موقعها وثرواتها بما يعود عليها وعلى شعوبها بالفوائد المتعددة والمشتركة، إيمانًا من هذه الدول بضرورة العمل المشترك الذي تفرضه ظروف الجوار، فلا إيران تستطيع أزاحتنا من الجغرافيا، وإخراجنا من التاريخ، ونحن كذلك، كما أن كلفة السلام أقل بكثير من كلفة الصدام والاختلاف، والأهم أن دول الخليج أصدرت هذه الدعوات طيلة أربعة عقود وهي ليست مضطرة أو تحت ضغوط داخلية أو خارجية كإيران.
وهذا ما يفسر لنا الدعوات المتفرقة التي يطلقها النظام الإيراني للحوار، فمنذ متى كان هذا النظام وديعًا ومحبًا للسلام؟! فكما لم تجد دعوات ظريف المتكررة للحوار، استجابة، لقيت “مبادرة هرمز للسلام” التي نادى بها روحاني عقب الاعتداءات المتكررة على ناقلات النفط في الخليج، والعمل الإرهابي على عملاق صناعة النفط في العالم “أرامكو” ذات المصير، فالتجارب السابقة مع هذا النظام، والمنطق السياسي والأمني، والإيديولوجيا التي ينطلق منها نظام طهران، والتصعيد والتوتر في المنطقة جميعًا تؤكد أن هذا النظام لا يمكن الوثوق بمبادراته وتصديق دعواته المخادعة.
وما دعوة ظريف للحوار مع السعودية إلا لتحقيق أمرين في غاية الأهمية، وهما إيمانه وهو الخبير بالعلاقات الدولية؛ بالمكانة العالمية التي تحظى بها القيادة السعودية، وأن العلاقة مع الرياض تفتح لطهران نافذة كبيرة من القبول والحوار مع دول صناعة القرار في العالم، كما أن طهران تسعى لتقديم نفسها وكأنها الباحثة عن السلام والاستقرار في المنطقة، ولكن غطرستها غيّبت عنها “ما ساده لوح نیستیم“.
وقفة:
(وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)