المحـترقـون وظـيـفـيًا.. هم الذين وقعوا ضحيةً لاستـنـزاف طاقـتهم وجهدهم، خلال فترة عملهم في قطاعهم أو منشأتهم؛ نظيرًا للعمل والجهد الذي قدموه لمنشآتهـم. وبعد أن تفاجؤوا بعكس الواقع الذي قد أيقنوه في بداية الأمر.
حين نعرف الاحتراق الوظيفي: هي حالةٌ تصيب الفرد أو الموظف بالتعب والإرهاق الناتج عن الجهد المضاعف في عمله، ويشعر بأنه غير قادر على تحملها وينعكس ذلك على أدائه، ويرجع السبب في ذلك هو عدم الرضا النفسي للموظف عن الأداء الذي يقوم به، أو عدم التوافق بين طبيعة العمل وشخصية الموظف وإمكانيته، أو أنْ يُطلب منه إنجاز أعمال جمة في فترة قصيرة وبموارد محدودة أو صلاحيات معدودة؛ وحينها يشعر بالإحباط والانكسار والغضب، وتظهر عليه تغيرات في سلوكه اللفظي والبدني.
عملية الاحتراق الوظيفي تمر بمراحلٍ عدة، تبدأ بمرحلة الاستغراق حيثُ يكون مستوى الرضا الوظيفي مرتفعًا، وعند حدوث اختلالٍ ما في التناسق والمطابقة بين ما هو متوقِع وبين الواقع؛ يبدأ مستوى الرضا في الانخفاض. ومن ثم ينتقل إلى مرحلة التكاسل والتبلد، وهي تبدأٌ ببطءٍ وينخفض معها مستوى الرضا الوظيفي تدريجيًا ومستوى الأداء في العمل، وبالتالي يُشغل نفسه ووقته بأمورٍ غير متعلقةٍ بالعمل. وبعدها ينتقل إلى مرحلة الانفصال حينها يبدأ بارتفاع مستوى الإجهاد النفسي والاعتلال الصحي. وبعدها ينتقل إلى أسوأ مرحلةٍ في سلسلة الاحتراق الوظيفي، وفيها يزداد الاعتلال الصحي من الناحية النفسية والبدنية والسلوكية؛ حتى يصل إلى أسوأ مرحلةٍ وهي مرحلة الانفجار.
للوقاية والاحتراس من الإصابة بالاحتراق الوظيفي على الفرد أو الموظف عليه.. أولاً تقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن، لقول المصطفى وخير من يحتذى به صلى الله عليه وسلم لأبي ذرٍ الغفاري رضي الله عنه: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُق حسن» رواه الترمذي، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ” التقوى هو الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل”، ثانيًا الإتقان في العمل قال صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ”، ومن هذا المنطلق عليه التركيز والاجتهاد في عمله بإتقانٍ، وكذلك على أرباب العمل والقياديين إعطاء الموظفين خطة واضحة لسير العمل وتوزيع المهام، وعلى أن يراعوا أساس العدل والمساواة، وكذلك رفع معنوياتهم من خلال الحوافز المعنوية والمادية؛ ونقصد هنا بالحوافز المادية هي المكافآت والعلاوات، وكذلك تبَنيِ فكرة الإدارة المفتوحة التي تعتمد على مبدأ التعاون والمشاركة بين الإدارة والموظفين، والتي تتضمن علاقة تشاركية بين الطرفين؛ الإدارة هي التي تُشرف على الخطط والبرامج المخططة للتنفيذ من جهة، ومن جهة أخرى فإن الموظفين هم من منفذي الخطط والبرامج سواء كانت إنتاجية أو خدمية بصورة منظمة مع ضمان الإستمرارية، والحد من الصراع.
وفي الختام.. على الموظف أن يحفظ مَا أؤتُمِنَ عليه ويتقن ما أوكل له، وعلى أرباب العمل والقياديين أن يراعوا الله فيمن تولوا أمرهم ، قال جل في علاه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المائدة:8] ، وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته»، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد والهدى إلى يوم الحساب، و أن يرزقنا هداية تملأ قلوبنا رضا وراحة وسعادة وأمانة في عملنا وحياتنا، والله هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.