** في صغري، ونحن نجتاز الستينيات إلى السبعينيات الهجرية كنت أرى المضاربات الجماعية في قريتي، وأسمع عن غيرها في القرى الموجودة في وادينا، ما يعني أن الحمية الجاهلية كانت حاضرة في تلكم الفترة فإذا اختصم اثنان يُهرع إليهما من هم قريبون منهما ثم يحمي وطيس المعركة، وبعد ما تسيل الدماء غزيرة تبدأ حال الهدوء فلا يُسمع إلا عبارة “تعوذوا من الشيطان” وأمثالها من عبارات التهدئة، وفي التو تبدأ عملية الصلح وتجري إدانة المخالف ويُجبر على الامتثال لما يراه الحضور الذين يقولون له إنه مخطئ وعلى الله متعدٍ، ويتقرر تغريمه غرامة ذات شقين الأول يفرض عليه دفع مبلغ معين لمن وقع عليه الخطأ، أما الشق الآخر فهو بمثابة الحق العام في الوقت الحاضر، وعليه أن يدفع الغرامتين كأن يذهب إلى خصمه، ومعه مجموعة من المصلحين ليسلمه المستحق عليه مع إبداء الندم على ما بدر منه، ويعبّر عن هذه الحالة بالخاتمة، وغالبًا ما يتنازل الخصم المظلوم عن الغرامة تقديرًا لخصمه الذي دلف إلى بيته تقديرًا له، بينما يدفع الشق الثاني لمن هو موكل بحفظ مال القرية ويسمى الوضيع الذي يغطي أحداث القرية من تكريم الضيوف، أو تقديم المساعدة للمعسرين أو لمؤازرة القرى الحليفة عندما تتعرض لأزمة، لكن المشكلة أنه لا يكاد يمر شهر إلا وتتجدد الخصومات وهلم جرا، ومما يسر أنه بعد بسط الملك عبد العزيز نفوذه على أرض الوطن تلاشت مع الأيام العنتريات الصبيانية حد العدم، وليس من شك في أن الجهل كان يلعب دوره، وأن تجار المشكلات كانوا يصبون الزيت على النار على اعتبار أن الرحمة لها محب وكاره .. وكانت أيام !!
……….
صورة:
* “لكل داء دواء يُستطب به
إلا الحماقة أعيت من يداويها”!!
0