المقالات

اقتصاد الانحلال التقني

الانفتاح أيا كان نوعه (اقتصاديًا.. ثقافيًا.. تقنيًا.. ) له سلبياته وإيجابياته، وكلما ارتفع مؤشر (الوعي العام) لدى المجتمع كلما انخفضت التأثيرات السلبية، والاستفادة ممن سبقونا في مجالات الحياة يخفف الآثار، ولنا في تجربة مصر مع الانفتاح الاقتصادي أكبر درس وعبرة.
في رواية (حتى لا يطير الدخان) لمؤلفها ( إحسان عبدالقدوس)، تطرق الكاتب الكبير – رحمه الله- لتأثير الانفتاح الاقتصادي في مصر وتباين الشرائح الاجتماعية وصعود طبقات وهبوط أخرى، وكيف أدى ذلك السباق نحو المال إلى دفع (بعض) الناس للبحث عن الأموال بغض النظر عن الأسلوب سواء جمعه (الفقير) ببيع المخدرات أو حصل عليه (الغني) ببيع الجسد!
بكل شفافية، نمر الآن بمرحلة مشابهة لتلك التي كانت في مصر، ولكنه انفتاح اجتماعي تلعب فيه التقنية دورًا كبيرًا، وأجزم أن بعضًا منا مصاب بدوران من سرعة تطورها وبعضنا الآخر عاجز عن اللحاق بها، بل حتى متابعتها.

من إيجابيات الشبكات الاجتماعية أنها وفرت لنا أسلوب حياة سهل وجديد يبقينا (مهما باعدتنا المسافات) على اتصال مع الأهل والأصحاب وغيرهم  ومشاركتهم الأحداث والصور ومقاطع الفيديو، كما أتاحت طرقًا وحلولًا لممارسة الأنشطة التجارية، وفتحت قنوات متعددة للكسب المادي، ويضاف يوميًا تطبيقات وأدوات جديدة مثل: الدردشة المرئية والمراسلة وتطبيقات البث المباشر، هذا السيل العارم من التقنيات والتطبيقات يستوجب علينا أيضًا فهم المخاطر التي يتعرض لها المجتمع جراء هذا الانفتاح الكبير.
في مقالات سابقة، تطرقت لمسؤولية الدولة والكيانات (وزارة-هيئة-…) عن أمن المعلومات والأمن السيبراني، لكن ماذا عن دورنا كأفراد في منازلنا؟ ماذا عن حماية أسرنا (ذكورًا وإناثًا، أطفالًا وشبابًا) من مخاطر التطبيقات التقنية خاصة تطبيقات البث المباشر والتي هي محور هذا المقال؟
تطبيقات البث المباشر (Live Streaming) صارت أمرًا (مسلمًا به) فهي متوفرة في مواقع التطبيقات الخاصة بأجهزة الجوالات، ويمكن تنزيلها مجانًا وبسهولة. لن أتحدث عن استخدامها من قبل الاستخبارات العالمية وعملائهم في صناعة المتمرد السياسي أو كيفية تنشئة الإرهابي، بل سألقي بصيصًا من الضوء على الجزء الخاص بصناعة بيع الهوى والانحلال (ذكورًا وإناثًا).
في هذه التطبيقات، يبدأ الاستدراج بالتسجيل والموافقة على إنشاء ملف شخصي لكل مستخدم للتطبيق الذي يوفر للمشتركين (المسجلين) منصة تسمح لهم بعرض مواهبهم ومهاراتهم مثل (الغناء أو التمثيل أو الشعر و غير ذلك من الفنون)، وكلما زاد عدد المشاهدين و(المعجبين) بالمشارك، فهذا يعني مزيدًا من الهدايا التي يشتريها المعجب من (متجر التطبيق)؛ ليرسلها إلى المشترك (صاحب الموهبة).
أمام (شهوة المال)، ومن خلال هذه التطبيقات، يلجأ (البعض) إلى (التميز) في إظهار مواهبهم (المدفونة) بداية من الدلال الصوتي حتى الجسد العاري! وكلما زادت الهدايا كلما زادت الأموال! حقائق قد تكون صادمة للبعض، لكنه واقع لابد من مواجهته بدلا من دس الرؤوس في التراب. ومن خلال الهدايا المتتالية، تبدأ مرحلة الاستمالة والتودد والقبول بالتنازل لعرض (ما لا يجوز عرضه) مقابل مزيد من الهدايا التي يتم جمعها في الملف الشخصي للمشترك (العارض) ويتم تحويلها لاحقًا (أي الهدايا) إلى أموال حقيقية (كل 100 هدية تساوي دولار مثلا)! ليصبح الأمر وكأنه عرض وطلب ثم مقابل مادي! فهل يختلف هذا عن بيع الهوى في الواقع؟
في عالم الإنترنت يغفل الكثيرون عن (البصمة الرقمية) وهو سجل إلكتروني يحتوي على كافة المواقع، والصور، والمنشورات، والتعليقات، ومقاطع الفيديو، وغير ذلك. بعض الشركات العالمية (حاليًا)، إذا أرادت توظيف شخص (لمنصب ما)، فإنها تلجأ إلى شركات متخصصة لبحث وتحليل سجل (البصمة الرقمية) للشخص المراد توظيفه، إذ ربما يحتوي سجله على بعض الأنشطة المحظورة أو التي لا تتناسب والمنصب المرشح له، وقد تابعنا (محليًا) كيف أن تغريدات (سابقة) (حرمت) أصحابها من فرص وظيفية مرموقة في الدولة.

أمام هذا الانفتاح الكبير، فإن النصائح في هذا الموضوع كثيرة إلا أن (أهمها) هي ضرورة التحدث بشفافية جدًا مع الأسرة (في مختلف الأعمار)، ومن المهم تذكير الجميع بضرورة التفكير فيما يبثونه ويشاركونه والبرامج التي يستخدمونها. على أولياء الأمور أن يثقفوا أنفسهم (تقنيًا) ليعرفوا ما يستجد وأن يتابعوا سلوك أفراد الأسرة، لابد من التدقيق في أسلوب الإنفاق، هل هو ضمن الميزانية؟ منح الثقة لا يعني التوقف عن المتابعة المستمرة، “كلنا راع وكلُ مسؤول عن رعيته”. قد يقال لماذا لا تمنع الدولة هذه التطبيقات حتى نحمي المجتمع، والجواب هو أن المنع والحظر لا يوجد أسهل من تجاوزه! لكن، إلى متى ونحن نعيش المراهقة الاجتماعية؟ هل نريد من الدولة أيضًا أن تربي أهلنا؟ هل نريد من الدولة أن تحمي أبناءنا في بيوتنا؟ وأن تتابعهم نيابة عنا حتى في سلوكياتهم داخل غرف نومهم؟ ومع أصحابهم (ذكورًا وإناثًا).

*الخلاصة*
حتى لا تحرقنا التقنية، علينا أن نسد الفجوة بيننا داخل أسرنا!

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button