أول من تحدَّث عن هذه القضية الآمدي في كتابه:
(الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري)، وقرن عمود الشعر بقضية الطبع الذي ربطه بالبحتري عندما وصفه بقوله: (البحتري أعرابي الشعر، مطبوع، وعلى مذهب الأوائل، وما فارق عمود الشعر المعروف)، وقال عن أبي تمام: (شعره لا يشبه أشعار الأوائل ولا على طريقتهم، وفيه من الاستعارات البعيدة والمعاني المولدة)، أما القاضي الجرجاني فقد ذكر عمود الشعر في كتابه: (الوساطة بين المتنبي وخصومه)، قائلاً: (كانت العرب إنما تفاضل بين الشعراء في الجودة والحسن بشرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، وتسلم السبق فيه لمن وصف فأصاب، وشبّه فقارب، وبده فأغزر، ولمن كثرت سوائر أمثاله، وشوارد أبياته، ولم تكن تعبأ بالتجنيس والمطابقة، ولا تحفل بالإبداع والاستعارة إذا حصل لها عمود الشعر ونظام القريض)، ولعل المرزوقي هو من تناول هذه القضية تناولًا حسم الخلاف النقدي حولها، وأضاف إلى المعايير الأربعة التي اعتمدها الجرجاني، وهي:
1- شرف المعنى وصحته.
2- جزالة اللفظ واستقامته.
3- الإصابة في التشبيه.
4- المقاربة في التشبيه.
ثلاثة معايير أخرى، هي:
5- التحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن.
6- مناسبة المستعار للمستعار له.
7- مشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية حتى لا منافرة بينهما.
إذن كان محور هذه القضية الطبع والتكلُّف عند الآمدي، وعند الجرجاني خصائص عمود الشعر ومقوماته، وسار المرزوقي على نهج الجرجاني ورسم المعايير الأساسية لتحديد الشعر الجيد سواء كان قديماً أم حديثاً، ولم يتطرق أحد من النقّاد القدماء للوزن والقافية؛ لأنهما شرطان أساسيان من شروط الشعر لا يمكن مناقشتهما، وكلاهما خط أحمر عندهم لا يجوز المساس بهما، وعندما ننظر للحركة التجديدية في الشعر الحديث نجد شعر التفعيلة الذي يرى أصحابه أنهم لم يبتعدوا عن شكل القصيدة العربية القديمة، وقصيدة النثر التي خرجت على عمود الشعر الذي أصبح تراثاً وأصبحت هي نقلة حضارية وحداثية ذات حرية مطلقة، تسبّبت في كثير من التساؤلات، منها: هل هي شعر أم نثر؟ كما حذّرت نازك الملائكة في: (قضايا الشعر المعاصر)، بقولها عن قصيدة النثر: (بأي وجه يطالب هذا النثر تسمية نثره شعراً حراً)؛ لأن هناك فرقًا بين الشعر والنثر، ويجب تحديد الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه مصطلح قصيدة النثر، ومن الأولى أن يُستبدَل بمصطلح يبتعد عن الخلط بين النثر والشعر؛ لأن القصيدة مرتبطة بالوزن والقافية، وهذا ما لا يتطلبه النثر، ولا يوجد عامل مشترك بينهما سوى اللغة الشعرية، لذلك يجب تحديد مصطلح مناسب يبعدنا عن المصطلحات العائمة الضبابية، ولنحافظ على هوية القصيدة العربية الأصيلة، مع أهمية مواكبة التجديد والتطوير ولكن بمصطلحات مناسبة لكل جديد.
د. سلوم النفيعي