يعد التفكير الإحصائي من أهم الأدوات التي يجب استخدامها عند تصميم وتنفيذ وتحليل مؤشرات الأداء؛ حيث من الممكن أن يتحول مؤشر الأداء إلى معول هدم أو أداة فشل بعكس الهدف الذي وضع له ويتسبب بكوارث كبيرة على مستوى المنظمة وقد تكون كارثة على المستوى الوطني؛ لذا نحتاج إلى التفكير الإحصائي لتجنب الكثير من هذه الأخطاء والتقليل من النتائج السلبية أو إيقافها، ناهيك عن قدرته على التطوير والتحسين.
ونستعرض في هذا المقال مفهوم التفكير الإحصائي وبعض الصور لاستخدامه في مؤشرات الأداء مدعومًا بأمثلة حقيقية على المستوى العالمي والمحلي.
التفكير الإحصائي هو أحد أدوات فهم أي عملية قياس، ليس من خلال الرقم الناتج فقط، بل بربط النتائج بعدد من المتغيرات والعوامل الأخرى المرتبطة والتي يشكل تفاعلها مع العناصر الأخرى جزءًا أساسيًا من عملية القياس، ويعتمد على استخدام ودمج وتنسيق أفكار الفرد مع الأفكار الأساسية للإحصاء مما يسمح للشخص باتخاذ قرارات أفضل، ويوفر بيئة ومنهجية خصبةللتحسين المستمر والتطوير واكتشاف الأخطاء والفهم العميق.
و لا يتطلب هذا النوع من التفكير قدرة عالية على التحليل الإحصائي المعمق واستخدام الأساليب الإحصائية المتقدمة،وليس مقتصرًا على المتخصصين في الإحصاء وعلم البيانات، بل أنه منهج تفكير يصلح لكل فرد.
يساعد التفكير الإحصائي على تصحيح الفهم الخاطئ للمؤشرات والكشف عن سببه، فمثلًا يوجد انطباع عند معظم الناس بزيادة نسبة جرائم العنف بشكل كبير في العصر الحالي، وبالرجوع إلى الإحصاءات نجد أن نسبة حوادث العنف انخفضت بشكل كبير منذ التسعينات الميلادي، التفكير الإحصائي هنا يربط الحدس الخاطئ لدى الشارع بسبب انتشار وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي تنقل كل حادث عنف، وأصبح كل شخص مصدر أخبار وناقل لهذه الجرائم، ((Statistical Thinking for the 21st Century.
التفكير الإحصائي يربط بعض مؤشرات الأداء بعوامل أخرى يجب إدخالها ضمن مؤشر الأداء أو قياسها ومراقبتها، فمؤشر أداء مثل دخل الفرد يجب أن يأخذ في الاعتبار الفجوة بين الأغنياء والفقراء والطبقات الأخرى فقد تكون الفئة التي ساهمت في رفع دخل الفرد هي فئة قليلة جدًا. وبالنظر إلى مؤشر أداء آخر مثل نسبة تملك المساكن في الدولة، فإن تقديم تسهيلات للديون والقروض العقارية بشكل كبير وبفوائد عالية جدًا على الفرد وعلى الدولة قد يؤدي بالفعل إلى زيادة نسبة التملك؛ وهنا التفكير الإحصائي ينبه صانع القرار إلى ضرورة متابعة مؤشر الفوائد والديون؛ حيث إن ذلك قد يتسبب بكارثة اقتصادية كبيرة جدًا.
حسب تقرير وزارة الصحة لعام 2018 فإنه معدل أطباء الأسنان في المملكة هو حوالي خمسة أطباء لكل 10000 نسمة وهذا معدل جيد نسبيًا مقارنةً بالدول المتقدمة في الخدمات الصحية، وقد يكون هذا الرقم منخفض جدًا بالنظر إلى عوامل أخرى؛ مثل ارتفاع معدلات التسوس في الأسنان، والتي تصل إلى 96 % لدى الأطفال بينما تصل بين البالغين إلى 100% (حسب موقع وزارة الصحة السعودي)، بالإضافة لقلة الوعي بصحة الفم والأسنان وعدم زيارة طبيب الأسنان بشكل دوري لجميع الفئات العمرية.
في حالات حدوث الأخطاء أو التلاعب بمؤشرات الأداء؛ يساعد التفكير الإحصائي على الكشف عن ذلك، ففي عام 2009 عندما حصلت بيفرلي هل على جائزة أفضل تربوية في الولايات المتحدة الأمريكية نظير مساهمتها في رفع درجات الطلاب في مدرستها وفي نفس العام وبعد ربط النتائج بعدد من العوامل أظهرت التحليلات الإحصائية ارتفاع الدرجات بمعدلات مستحيلة، وبعد التحقيقات تم اكتشاف الكثير من حالات التلاعب بأوراق الاختبار والغش.
وعلى صعيد التعليم المحلي، وعند تناول مؤشر مثل إتقان الطلاب لمهارات الرياضيات اعتمادًا على التقويم المستمر تم سؤال عدد من المعلمين ممن قاموا بتدريس طلاب الصف الرابع في العام الماضي، كان عدد طلابهم 260 وكان عدد من لم يتقنوا فقط 16 طالبًا؛ أي أن حوالي 6% فقط كانوا دون حد الإتقان، وبالرجوع إلى الاختبارات الوطنية نجد أن أكثر من 53% في الصف الرابع لم يتقنوا وهذا فرق شاسع؛ وحين يعتمد صانع القرار على هذا المؤشر لا شك أن كارثة تعليمية وقعت أو أوشكت على الوقوع، تنبهت وزارة التعليم مبكرًا إلى ذلك بعد قرار إعادة النظر في التقييم المستمر من خلال تطوير المادة الخامسة من تقويم الطالب في المرحلة الابتدائية فلا شك في أن وراء ذلك تفكيرًا إحصائيًا عميقًا؛ بالإضافة إلى خبرة صانع القرار.
عميد الدراسات العليا، جامعة الطائف