لا يساورني الشك في أن هيئة الصحفيين السعوديين أنشئت أصلًا من أجل خدمة الأهداف المهنية للصحفيين السعوديين – حسبما ورد في لائحتها – وتوفير بيئة عمل إيجابية لهم وحماية حقوقهم من الإجراءات التعسفية، ورعايتهم وتطوير قدراتهم، ودعمهم وتنظيم العلاقات بينهم وبين المؤسسات الإعلامية التي يعملون بها لتشجعهم على العطاء والإبداع، ومنحهم كافة الامتيازات والتسهيلات للوصول إلى تحقيق الهدف المنشود، وهو تعزيز دور الصحافة والصحفيين ورسالتهم تجاه كل ما يخدم الوطن والمواطنين، لا سيما وأن الصحافة رسالة مؤثرة وقوية في المجتمع، وهو ما يتطلب أن يكون القائمون عليها على قدر عالٍ من الالتزام المهني والاجتماعي والأخلاقي، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بقيام الهيئة بدورها المذكور.
ولكن مع الأسف لا يزال إخفاق هيئة الصحفيين السعوديين في تحقيق تلك الأهداف واقعًا ملموسًا، رغم مرور ما يقارب من عشرين عامًا على إنشائها، ما دعا عدد كبير من الصحفيين، الذين بادروا بالحصول على عضوية الهيئة في ذلك الوقت إلى ترك تلك العضوية، بعد أن تبين لهم عدم جدواها، ولم يذكر لها أي دور فعال في حماية حقوقهم أو إنصافهم مما قد يتعرضون له من ظلم سواء من مؤسساتهم أو من مؤسسات المجتمع الأخرى؛ خاصة من المتفرغين منهم، وهناك العديد من الأمثلة لعدد من الزملاء الصحفيين الذين ألقت بهم مهنة المتاعب في أودية سحيقة بعد قضاء سنوات طويلة في العمل الصحفي، ودون أي تدخل من الهيئة !!.
ولا أبالغ لو قلت إن جميع الصحفيين والإعلاميين غير راضين عن عمل الهيئة ودورها المغيب وإخفاقها في تحقيق ما ينتظرون منها، فلا يكاد يخلو مجلس للصحفيين إلا ويدور خلاله الحديث عن الهيئة وقصورها وعدم قيامها بالدور المطلوب منها، فهذا الإجماع الواضح على إخفاق هيئة الصحفيين لم يأتِ من فراغ، وإنما كان نتيجة تجارب وأمثلة واقعية أفقدت الصحفيين الثقة، وجعلت من الهيئة مجرد كيان صوري لا يسمن ولا يغني من جوع !!
إن تطلعات وآمال الصحفيين ليست خيالية ولا خارجة عن الواقع، بل هي حق مشروع يتطلعون من خلاله إلى الطمأنينة والأمان الوظيفي والمهني، وينشدون ملاذًا يلجئون إليه وقت الحاجة ليحميهم، ونموذجًا يفخرون به مقابل هيئات المجتمع المدني الأخرى، فيجب على هيئة الصحفيين اليوم أن تسعى جاهدة لتكون في مستوى المرحلة والحدث .. بوضع الأهداف والاستراتيجيات المحددة والواضحة للارتقاء بالإعلام السعودي وتأكيد ريادته وحضوره، وكذلك الارتقاء بالصحفيين السعوديين، والعمل على تطوير مهاراتهم وإمكانياتهم الذاتية سواءً للمتفرغين منهم أو المتعاونين، ورعاية الجوانب الاجتماعية لهم والدفاع عن حقوقهم وتحقيق مصالحهم وتقنين أنشطتهم وحل مشاكلهم، وإقامة ورش عمل تأهيلية وندوات تثقيفية، ومنابر فعاليات محلية وإقليمية ودولية، وإنشاء أندية خاصة بهم، وأن تكون مركزًا للحراك النشط، والاهتمام بتمثيل الصحفي خارجيًا وداخليًا عبر المؤتمرات والمنتديات الإعلامية، وكذلك اقتراح القواعد واللوائح الجديدة التي تساهم في تطوير العمل الصحفي بصفة عامة، وهو الدور الذي يناط بالنقابات المختلفة للصحفيين في كافة أنحاء العالم.
إننا اليوم، وفي ظل هذا الانفتاح المعلوماتي والإعلامي الكبير، وتعدد الوسائل وانتشار إعلام التواصل الاجتماعي، فقد أصبح الإعلامي المهني أو المتخصص ثروة وقوة لبلاده، تتطلب المحافظة عليها وتنميتها، ولن يتم ذلك إلا برعايته وحفظ حقوقه عبر عمل مؤسساتي مقنن، فمن المؤسف أن تكون هيئة الصحفيين السعوديين – حتى الآن – عاجزة عن مجاراة الواقع، وخارج أي مساهمة ملموسة تدعم هذا التوجه، إلا أننا، وبالرغم من ذلك مازلنا متفائلين بما ستحمله الفترة المقبلة، يحدونا الأمل والترقب لكيان يخدم إعلامنا وصحافتنا ويجمع القائمين عليه ويساهم في الارتقاء به لمواكبة معطيات العصر ومتطلباته.
وحتى موقع الهيئة على شبكة الانترنت غير مفعل