ما أن ظهر فيروس كورونا حتى بدأت النظريات والتحليلات تنتشر بأسرع من انتشار الفيروس نفسه، وكل نظرية تجد لها صدى كبير وعددًا من المؤيدين، فالمهتمين بنظرية المؤامرة يرون أن كورونا عبارة عن سلاح بيولوجي موجه نحو أهداف معينة، وأن الخلاف الأيديولوجي والسياسي بين أمريكا من جهة والصين وإيران من جهة أخرى، كان سببًا في وجود الفيروس على مستوى العالم بهدف ضرب الاقتصاد الصيني والإيراني، معللين ذلك بأنه يأتي في إطار الحروب البيولوجية ذات الأثر الأسرع والأقوى، والضحايا الأكثر، وقناعتهم في ذلك أن الصين وإيران هما الدولتان الأكثر تضررًا، وخصوصًا الصين التي تضررت اقتصاديًا بشكل كبير ما أدى لإحداث خلل في الأسواق العالمية، وفي المقابل فإن هناك من يرى أن فيروس كورونا المستجد ما هو إلا وباء طبيعي نتيجة بعض الخلل في الطبيعة .. وبعض السلوكيات الإنسانية الخاطئة، فيما ربط البعض سبب ظهور وانتشار فيروس كورونا بتناول الصينيين لحيوانات مثل: الخفافيش والأفاعي وأنواع من الحشرات، وهكذا نجد التباين والاختلاف بين الآراء والنظريات في أسباب ظهور الفيروس.
وبغض النظر عن أسباب ظهوره، فإن الأمر يتطلب الجدية في اتخاذ التدابير لمكافحة انتشاره، فلا شك بأن فيروس كورونا المستجد بات في الوقت الراهن من أكبر المخاطر الوبائية التي تواجه الإنسان وتهدد العالم، وأصبح لزامًا على الدول أن تأخذ الأمر بجدية وتتخذ كافة الاحتياطات والاحترازات الوقائية التي تحد من انتشاره وتفشيه، أيًا كانت أسباب ظهوره، فبقدر ما تتفاعل الدول والحكومات في اتخاذ التدابير الوقائية والإجراءات الاستباقية لمواجهة هذا الوباء، بقدر ما يمكن بمشيئة الله تفادي مخاطره والحد من انتشاره، ولعل من أهم ما ساعد على انتشاره في بعض الدول أكثر من غيرها في بداية الأمر – هو عدم التعامل مع الموضوع بجدية، وكذلك عدم وجود تجهيزات طبية كافية لاحتواء الفيروس قبل انتشاره، وعدم الشفافية في بث الحقائق وضعف وبُطء الاجراءات الحكومية في المؤسسات ذات العلاقة، كل هذه الأمور وغيرها ساهمت في سرعة انتشار الفيروس في بعض الدول – دون تحديد – حتى وصل الأمر بهم إلى خارج حدود السيطرة.
إن ما قامت به حكومة المملكة العربية السعودية من سرعة اتخاذ القرارات؛ ليؤكد حرص قيادتنا الرشيدة في التعامل مع قضايا الصحة العامة، وعدم التهاون أو التراخي في اتخاذ القرارات الاستباقية؛ حيث تستشعر مسؤوليتها لحماية المواطنين والمعتمرين وزوار المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، فقد كانت المملكة وبفضل الله سبحانه وتعالى، من أقل الدول تسجيلًا لحالات الإصابة بالفيروس؛ وذلك بفضل الله ثم بما اتخذته المملكة من سلسلة القرارات الاستباقية، والتي يمكن وصفها بأنها جريئة ومدروسة بعناية في إطار الحماية الصحية للمواطن والمقيم والزائر بلا تمييز أو تفرقة، والتي تسعى إلى تطبيق أعلى مستويات التأهب والاحتياطات، بما يضمن تعاملًا مثاليًا مع الوباء وفق منهج علمي، من خلال مجموعة من الخطوات الوقائية بتضافر أجهزة الدولة؛ حيث اتخذت بداية كافة الإجراءات الاحترازية عند المنافذ الحدودية للمملكة، تجاه الأشخاص الذين زاروا دولًا موبوءة بالفيروس؛ ثم تم إيقاف العمرة للقادمين من خارج المملكة وتعليق الدخول بالتأشيرات السياحية للمسافرين من الدول التي تفشى فيها الفيروس ومنع دخول السعوديين ومواطني دول مجلس التعاون الخليجي بالبطاقة الوطنية، ثم إيقاف أداء العمرة للمواطنين والمقيمين على أراضيها مؤقتًا، ثم تم منع التجمعات الجماهيرية في مباريات كرة القدم والحفلات، ثم تعليق الدخول والخروج من محافظة القطيف مؤقتًا نظرًا لأن جميع الحالات الإيجابية المسجلة هي من سكان المحافظة؛ وذلك تماشيًا مع قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأرْضٍ، فلاَ تَقْدمُوا عَلَيْهِ، وإذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلا تخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) الحديث، ومؤخرًا تم تعليق الدراسة في جميع مناطق ومحافظات المملكة في المدارس ومؤسسات التعليم العام والأهلي والجامعي والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني الحكومية والأهلية، كما تم تعليق سفر المواطنين والمقيمين في المملكة إلى عدد من الدول استكمالًا للإجراءات الوقائية، وجميع تلك القرارات تعتبر مؤقتة، وستتم مراجعتها بشكل مستمر وتعليق العمل بها عند انتفاء الأسباب التي دعت لاتخاذها، وغير ذلك من الإجراءات الاحترازية الاستباقية التي تؤكد حرص حكومة المملكة على صحة المواطنين والمقيمين، والتعامل بأعلى درجات الشفافية منذ الإعلان عالميًا عن الفيروس، وستواصل في ذات النهج من الشفافية والإفصاح؛ كون سلامة قاطني المملكة من أولى أولويات القيادة.
لقد تعاملت المملكة باحترافية في مواجهة هذه الأزمة الوبائية وفق سيناريو مدروس وحسب المعطيات، ومن ضمنها الاستعداد الاستباقي والتهيؤ المبكر، على أن كافة الإجراءات الاحترازية والوقائية التي اتخذتها السعودية لمنع انتشار الفيروس ما هي إلا لمصلحة الجميع، وواجبة لحفظ النفس، فضلًا عن منع تفشي الفيروس، والتأكيد بأنه لا ينبغي الاستهانة بالمرض باعتبار أن ليس ثمة دولة واحدة بعيدة عن المرض؛ لأن الفيروس لا يحترم الحدود ولا يفرّق بين الأجناس والأعراق، ولا تزال الجهات المعنية في متابعة مستمرة لاتخاذ الإجراءات الوقائية أولًا بأول وبشكل سريع ومتوازن؛ للحد من ظهور حالات جديدة.