يقال إن ارتباط الحمام بالسلام منذ القدم؛ لأنها عاطفية بطبعها فتحب الهدوء والأمن والأمان، وتكره النزعة والعدوان.
ولكنها في أحد المساءات جعلت مني شخصًا مغايرًا تمامًا لما عهدت نفسي عليه من الثقة والشجاعة والإقدام فسايرني الخوف والقلق.
تمنيت أن يكون معي حينها سلاحًا فتاكًا لأرد لمن أراد بي غدرًا في عقر داري؛ فأصبح الأمر يستوجب الجهاد ضد المعتدي فرض عين.
في إحدى ليالي الربيع الماضي، وبعد منتصف الليل اتجهت لبيتي في محايل عسير لأنام فيه بعد رحلة مضنية وشاقة لم تكن جيدة.
عندما دخلت البيت الذي كان مهجورًا قرابة عام لقيت الغبار قد امتد لصالات البيت من سطح الملحق لدرجة أنه يطبع كل من يطأ عليه فلم أرَ أي آثارًا غريبة أو مقلقة من فضل الله.
كنت حينها مرهقًا، وأحتاج للنوم فورًا، وقلت لعلي أحضر في الغد من يتولى تنظيفه استعدادًا لنزول الأهل، كما هو المعتاد في كل عام.
سحبت واحدة من طراحات كانت مركونة ومغطاة ضمن مجموعة..
وفرشتها على الأرض مباشرة لأغرق في النوم كعادتي حينما أكون مرهقًا؛ لأبتعد عن أصوات السرير المزعجة عند أي تحرك.
بالفعل استرخيت وشرعت في النوم، ولم أكمل قراءة المعوذات. لا أدري كم أتممت من الوقت، ولكن الهدوء جعلني أسمع طارقًا يطرق، وحاولت أن أستوعب الأمر، وإذا بها دقات احترافية، ومتزنة من نافذة الغرفة.
تعوذت من الشيطان، وأعدت قراءة المعوذات وآية الكرسي، واقتنعت أن ذلك مجرد تخيلات، لكن الخوف والتفكير عصفا بذهني فعكرا نومي، ودخلت في الهواجيس.
ترى من يطرق نافذة الدور الرابع بهذا الشكل وماذا يريد؟ وكيف استطاع الوصول إلى هناك؟
هل هناك أحد يتابعني فأخذ سلم بطول خمسة عشر مترًا..
مكثت أتلطف مع خوفي، وأقول لعلها مغرمة طاحت في عشقي لتلاحقني آخر الليل في هذا الظلام…!!!!
هل أنا فعلًا وسيم لهذا الحد لتبلغ الملاحقه إلى هنا….!!!!
ليست مجرد خرافات ولا تستغربوا لمن كان بين الصحو والنوم والإرهاق أن يتخيل أكثر من ذلك…!!!
بينما كنت في الظلام الدامس لست بنائم ولا صاح أقنع نفسي أنها مجرد تهيؤات إذا بالدق يكرر، ويؤكد الطلب، ولكنه على استحياء وبأدب شديد…!!!
لم يعد أمامي إلا أن أقوم من فراشي لأواجه هذا الأرعن الذي يحاول الدخول من نافذة البيت….
أخذت عصاي وسلاحي، واستمريت نحو النافذة والظلام دامس، وتعثرت في كيس ربطه بما أحمل من اضطراب فظننته كائنًا غريبًا جارحًا، وإن كان يبدو رطبًا..!!!
صحت بهلع، وقمت بإضاءة كشاف الجوال لأجده كيس أغراضي به قليل من الموز والزبادي…!!!
ارتحت قليلًا ثم اتجهت للنافذة؛ لأتمكن من فتحها ثم أطلق طيشًا من الأعيرة في الهواء… لربما المتعلق بها يهرع أو يطيح أرضًا، وكلما اقتربت من النافذة أسمع خشخشة فزاد القلق لدي ..
بدل أن أسأل من الذي يحاول فتح النافذة، قلت بارتباك وصوت مستعار من بطل مغوار من الذي بالباب…؟
كان جبانًا ولم يجب، وفتحت النافذة قليلًا، وإذا بتلك الحمامة خائفة وقلقة على بيضاتها وبجوارها زوجها، كان هو الجبان الذي يدق بمنقاره ليزيدني أسًا وفزعًا.
عندما تأكد لي أنها مجرد حمام، رأيت في بيتي الأمن والأمان، وفي ظرف ثوانٍ عادت لي قواي، عرفت أنني لست ذلك الخائف بل البطل الشجاع الذي استطاع فتح النافذة، رغم ما يحيط بها من ظروف غامضة في ليلة سوداء وساعة متأخرة…!!!
عفوًا فإن أخوكم الشجاع عندما يواجه أسدًا فسيظل مدافعًا بكل ما أوتي من قوة، ولكن الغدر مثل اسمه فلم يتعود على مثل هذه الظروف فاجعلوه في واسع العذر…