تُعد الإشاعات من وسائل الحروب المعنوية والأوبئة النفسية، لها خطورة بالغة على المجتمعات البشرية الآمنة، بسبب سرعة وسهولة انتشارها وتأثيرها على الناس خصوصًا البسطاء منهم، وتزداد خطورتها وقت الأزمات والحروب والكوارث؛ لأن منآثارها، تضليل الرأي العام وإثارة الفتنة بين الناس وإشعال جذوة الخوف والقلق عندهم، وقد مرت الإشاعات بمراحل عدة، منذ كانت تنقل شفاهة بعد الحرب العالميةالثانية عن طريق الكلمة المسموعة، ثم تطورت بتطور العصور وإمكاناتها الإعلامية؛ حيث وظفت الإشاعة بكفاءة تكنولوجيا الاتصالات الحديثة لخدمتها.
يقول لوبورت، الإشاعة هي: (كل قضية أو عبارة مقدمة للتصديق، تتناقل من شخص إلى آخر، دون أن تكون لها معايير أكيدة للصدق) وينظر المختصون إلى الشائعات بأنها من أخطر الأمراض المدمرة للمجتمعات؛ خاصة مع انتشار سطوة شبكات التواصل الاجتماعي، ومع ارتفاع درجة التجاذبات الفكرية والسياسية والدينية في المنطقة، وشائعات اليوم ليست كشائعات الأمس السهلة والبسيطة، اليوم لها كهانها وسدنتها الذين يصنعونها في مختبراتها ويلونونها بحسب أهدافه ومخططات من يقف خلفها، ثم يسعون لتمريرها ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليسهل تداولها وانتشارها لما تحظى به هذه الوسائل من إقبال منقطع النظير من جميع فئات المستخدمين، ولم تسلم بعض وسائل الإعلام من هذا الداء وخصوصًا تلك الوسائل المشبوهة وذات التوجهات والأيدولوجياتالحزبية والسياسية، التي تخضع لرغبات وإملاءات ممولها ومالكها.
وتظل أخطر الشائعات تلك التي تمس بنيان المجتمع وقيمه وأساساته الرئيسية؛ وتنشر خطاب الإحباط والبلبلة وإضعاف هيبة الوطن وتغييب خطاب الثقة، مما ينعكس على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويرفع درجة القلق وغموض المستقبل لدى البلد المستهدف بالشائعات؛ لذلك حرصت الدول على التصدي للشائعات عبر حزمة من الاستراتيجيات الأمنية والإعلامية والقانونية، لحماية المجتمع وتحصينه من التداعيات الكبرى للشائعات وتأثيراتها الواسعة.
ورغم هذه الاحتياطات والتشريعات لا تزال بعض الدول والأحزاب الإرهابية والمنظمات ذات التوجهات والأجندات المتعددة، عبر وسائلهم ومنابرهم وأذرعتهم الإعلامية المتعددة يبثون سمومهم وأكاذيبهم ونسجها بطريقة محكمة، خصوصًا أنهم يتكئون على خبرة طويلة من الكذب والتضليل، حيث أثبتت الدراسات بأن وراء كل إشاعة يقف فردًا أو جماعة، فهي ليست عملًا غير مقصود، ومصنوع، وبخاصة في الإطار السياسي، التي يصفها المختصون بأنها من أخطر أنواع الشائعات خصوصًا أنها تتناول قادة الأمة والشخصيات البارزة فيها، وتعتمد أسلوب التهويل والتشويش من خلال استخدام تقنيات متعددة، ومنها أسلوب الشخص الثالث الذي يعتمد عليه الجمهور في استقاء الأخبار.
وتكمن خطورتها بأنها لا تخاطب عقولًا واعية قادرة على النقد والتعامل معها بموضوعية، ولكنها تتجه للعواطف والمشاعر، وتؤثر عليها سلبًا وتقودها إلى حيث يريد مصدر الشائعة، التي صنفها علماء النفس لأربعة أصناف رئيسة وهي:
أ- شائعات الخوف:
ب- شائعات الأمل.
ج- شائعات الكراهية.
د- الشائعات الوهمية.
والصنف الأول والأخير هما ما ينطبقان على واقع العالم اليوم دون استثناء في تعامله مع وباء كورونا.
وقفة:
صدق الله العظيم: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).