كم كان الانسجام واضحًا، والعلاقات الحميمية متواجدة على متن الهواء بين المسافرين والصحف الورقية التي تقدم إليهم فور إعلان إقلاع الطائرة التي تقلهم إلى وجهاتهم، نعم .. أصبحنا نفتقد إلى هذا التواجد الإثرائي للثقافة والاطلاع للمحتوى الإعلامي الذي توفره هذه الصحف التي اجتاحها الإعلام الجديد بفنونه المختلفة “الصحافة الإلكترونية، سناب شات، فيس بوك، تويتر وخلافه من وسائل التواصل الاجتماعي.
هل نودعكِ يا صحافتنا الورقية ؟!، ونؤكد لأنفسنا عدم حتى مواساتها في عودتكِ ومرافقتنا في رحلات سفرنا، فقد كنا نحرص على اقتنائكِ وتصفح أوراقكِ ومتابعة أخباركِ قبل أن نطلب من طاقم الملاحة أي وجبة أو مشروب أو حتى كوب ماء، أم أنكِ ضعتي عبر الهواء، وآن الأوان أن نقف على أطلالكِ، بتذكارٍ يبقى في كياننا كمعسوفة عشق نرددها كلما قادنا الحنين لماضيكِ، الذي علمنا كيف نمسك القلم ؟، وننقل الحقيقة والواقع إلى متلقي رسالتكِ الإعلامية، خبرًا، وتقريرًا، ومقالًا، وقصةً، وتحقيًا.
إن تواجدكِ كل يومِ وحتى ساعات متأخرة على رفوف “السوبر ماركت” ومحال بيع المواد الغذائية، دون حتى أن يلتفت أحدٌ إليكِ يشعرنا، بكبر سنك، وعجزك عن التمشي مع أذواق الجيل الحالي وملامسة تطورات وتقنيات الحاضر والمستقبل .. وسط تواجد اللغة الرقمية التي أصبحت هي الآمر والناهي، سواءً في قطاع الإعلام أو مختلف القطاعات الحكومية والأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، والتي وظفت السرعة وتقليل التكلفة المادية في إنهاء عملها والقيام بدورها تجاه المجتمع وأفراده.
أوراقكِ التي تم تقليصها، ومحتواكِ الخبري الذي لم يعد يروق للكثير من القراء، بسبب تقليصه على حساب “الإعلان” والبحث عنه بشتى الطرق والوسائل لحل الأزمة المالية التي تعاني منها المؤسسات الصحفية، التي أقفلت عددًا كبيرًا من مكاتبها المتواجدة داخل المملكة وخارجها، واستغنت عن بعض موظفيها ترشيدًا وتقليصًا للنفقات وما تقدمه منه رواتب للموظفين .. كما أننا لم نعد نرى الزخم الكبير من التغطيات الصحفية وتواجد محرري هذه الصحف في المناسبات والفعاليات التي يحرصون على متابعتها كما كان في السابق .. حيث تجد الصحفي حاملًا معه أوراقه للتحرير وتدوين ما يرد من معلومات، وجهاز التسجيل للاستعانة به في اللقاءات والحوارات الجانبية .. ويرافقه خلال هذا التواجد “المصور الفتوغرافي” ليكمل هذه الرحلة الصحفية الجميلة.
صحافتنا الورقية .. ذكرياتكِ محفوظة لديَّ .. وحنيني إليكِ وجدانٌ يلامس ذائقتي، ليشعرني بين الفينة والأخرى أنكِ المدرسة التي انتسبتُ إليها، ومعي الكثير من رفقاء هذه المهنة المحفوفة بالمصاعب رغب لذتها ومتعتها .. مازالت صورتكِ لا تفارقني، “كنتِ راكبة معي في المقعدة الأخرى في سيارتي، ومتواجدة على منصة مكتبي، وفي صالة جلوسي بالمنزل .. فلم يكن هناك غيابٌ عنكِ .. فهل سوف يتجدد مثل هذا الحنين ؟!
رسالة أهمسها إليكِ .. صحافتنا الورقية، ضعي يدكِ في يدِ التقنية والتحول الإلكتروني؛ لأن الوقت يمضي، والعالم ينشد مثل هذا التطور ويوظفه في مختلف النواحي؛ ليعاد لم الشمل معكِ والعودة إلينا كبيئة إعلامية يصنع خلالها المحتوى الإعلامي الراقي الذي ينافس غيره، في الوصول إلى المتلقي وتلبية تطلعاته وإشباع رغباته التي يسعى إليها.
0