المقالات

السعودية وفن إدارة الأزمات

تخوض البشرية جمعاء حربًا ضروسًا غير مسبوقة ضد فيروس كورونا (كوفيدا 19) ، ذلك الفيروس الذي لم يترك دولة إلا وغزاها ولا قرية في مشارق الأرض ومغاربها إلا وحلّ بها، أدت هذه المواجهة العنيفة الطاحنة الى إحداث شلل شبه تام يضرب كافة نواحي الحياة ويعطل الحركة والاقتصاد، وفي ظل هذه الأزمة تضاربت ردود أفعال فتارة تصرّح إحدى الدول بعدم جاهزيتها لمواجهة هذا الفيروس الخطير، وأخرى اعترفت بعجزها في مواجهته وثالثة أخبرت مواطنيها أن فقدهم لأحبتهم قادم لا محالة، ورابعة لم تعر الأمر أي اهتمام، واعتبرت أن الحذر منه مُبالغة، وأخرى رأت أن تترك الفيروس يصيب من يصيب ويترك من يترك مُتبنية مبدأ مناعة القطيع (Herd immunity) حيث البقاء للأقوى، هنا وفي ظل هذا الهرج والمرج العالمي وتضارب وتباين ردود أفعال الدول،  تأتي المملكة العربية السعودية بخطى واثقة، وقرارات سريعة رائدة حازمة وحاسمة وجريئة، تسير في تسلسل منهجي دقيق في ترتيب الأولويات وإصدار القرارات المصيرية بقوة وحزم. قرارات تترجم عمق معرفة القيادة الرشيدة بإمكانات الوطن، وبإمكاناتها وقدراتها ومكانتها الدينية والاقتصادية والسياسية، وبحجم الأزمة وخطورة تداعياتها، فأصدرت القرار تلو الآخر، بوعي مستحضرة أبعاد الحدث مستشرفة آفاق المستقبل، واضعة نصب عينيها وأول أولوياتها سلامة ومصلحة الإنسان على أراضيها مواطنًا ومقيمًا ومعتمرًا وزائرًا وسائحًا، فإن سلامة الإنسان على أراضيها أهم ما يشغل القيادة السعودية حفظها الله، وهذا ما يثبته مواقفها في الأزمات ويؤكده ما تتخذه من قرارات، كما ترى القيادة السعودية أن سلامة الإنسان أولوية تسبق استراتيجيتها الواعدة في تطوير الاقتصاد والسياحة وتعدد مصادر الدخل، وترى أن الإنسان هو الثروة الحقيقية بكل ما تحمل الكلمة من معنى ثم تترجم هذا المفهوم سلوكًا وأفعالًا وقرارات سريعة وحاسمة لم تخطر على بال، وقد تكون للوهلة الأولى صادمة للبعض ثم ما يلبثأن يراها مُبهرة ومُشرفة ومشرقة، تتالت القرارات الرائدة ففي السابع والعشرين من فبراير(2020) علقت المملكة العربية السعودية الدخول إليها وأوقفت الرحلات الدولية، في الأول من مارس خصصت خمس وعشرين مستشفى ووفرت ألفي ومئتين سرير للعزل، في الرابع من مارس علقت العُمرة ووجهت بالعمل على تعقيم الحرمين الشريفين على مدار الساعة، في السابع من مارس أغلقت المنافذ البرية مع دول الجوارالإمارات، الكويت، البحرين“، كما علقت حضور الجماهير للمباريات الرياضية، في الثامن من مارس علقت الدراسة لجميع المراحل في جميع مناطق المملكة، وفي التاسع من مارس علقت سفر المواطنين والمقيمين مؤقتًا، وفي الثاني عشر من مارس علقت الاحتفالات والمناسبات الجماعية، وفي الثالث عشر من مارس قررت عزل جميع العملات الواردة  للمملكة، وفي الخامس عشر من مارس علقت جميع الأنشطة الرياضية والرحلات الدولية، وفي السادس عشر منه أغلقت جميع الأسواق والمجمعات التجارية، وفي السابع عشر من نفس الشهر علقت الصلاة في جميع مساجد المملكة واقتصرت على الأذان، وعلقت حضور العاملين بالمنشآت الحكومية، لعل صرامة المملكة العربية السعودية في التعامل حيال هذه الجائحة وسد باب السياحة والحد من الاحتكاك والحركة، لعب دورًا جوهريًا في تراجعها، وهذا مالم تفطن إليه العديد من الدول التي فضّلت استمرار السياحة سواء السياحة الدينية أو الطبيعية على اتخاذ القرار الوقائي، وهي الآن تعاني من كارثة صحيّة جراء هذا التساهل، فإن ردة فعل المملكة في مواجهة هذا الفيروس يضرب أروع الأمثلة في تفعيل استراتيجية الطب الوقائي وأن الأولوية هي صحة وسلامة الإنسان رغم الخسائر المالية الكبيرة، فإن ما نراه الآن من تسارع ‏أرقام الإصابات بشكل مرعب، وانهيار المنظومة الصحية في الكثير من دول العالم أكبر دليل على أن  الاستهانة وعدم اتخاذ القرارات الحاسمة في الأوقات المناسبة قد يؤدي إلى كارثة بشرية وخيمة، تملك المملكة بحمد الله القدرة على صناعة القرارات الاستباقية الحاسمة ، مازال وطني يبهرني ويبهر العالم بخطواته الرائدة وقراراته الفريدة ومواقفه التي تقدم كل يوم أقوى دروس المسئولية وأجمل معاني القوة والثبات، ومازال الإنسان السعودي يملك القدرة على التكيف السريع مع المستجدات والقرارات والتعامل معها بوعي وإيجابية. حفظ الله وطننا الغالي وقيادتنا الرشيدة، وشعبنا الكريم.

Related Articles

2 Comments

  1. أحسنت د. وفاء
    بارك الله في قلمك.
    لقد أوقفت كورونا حياتنا كلها.
    وسرعة اتخاذ الحكومة السعودية قرارات مصيرية في زمن قياسي ، ليس بغريب على دولة تدير الأزمات والحشود سنوياً وفي زمن قياسي وهو ادأقل من أسبوع.
    فمن ينجح في إدارة حشود من كل حدب وصوب ويضع خططا استراتيجية تفصيلية في مكان واحد وزمان واحد فهو نابغة زمانه.

  2. جزاك الله خيراً استاذة فاطمة، اسأل الله ان يوفق حكومتنا الرشيدة لما فيه الخير و يكتب اجرهم و يحفظ وطننا و ابنائه من كل سوء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button