عوضه الدوسي

كورونا الجائحة التي يتقاطع فيها ضعف الانسان وطغيانه

هذه الأيام نعيش لحظات تاريخية عصيبة جداً فجائحة كرونا التي اجتاحت هذا العالم وفرضت على الانسان عزلة تامه وعم البلاء كوكب الأرض ( كأن لم تغن بالأمس) ، فقد شُلة حركة الانسان الذي هو محركٌ للاقتصاد والسياسة ولكل مناحي الحياة ، ولا يمكن أن يتم أي انجاز في حياتنا اليومية دون عطاء الانسان وجهده وكفاحه ، ما يعنى أن الأمر متعلق بالإنسان وعطاءاته المختلفة ، ودون عطاءالانسان تخبو الحياة ويذبل وهج الكون فمنجزات الانسان في التعريفي الثقافي والفكري عُرف بالحضارة ،لان الحضارة في مجملها منجز الانسان جراء جهده وكفاحه ، فأينما وجد الانسان ثمة حضارة ،تختلف وتتباين في القوة والضعف وستظل كما هي ثمرة جهد الانسان ، وحينما كانت الحضارات على هذه الشاكلة كان الاسلام يرى بمنظار التكريم على اعتبار الانسان قبل منجزه فقد سما بالإنسان مرتبة عُليا وتموضع في مفهومه بالخليفة في الأرض (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) وهذا الاستخلاف مبني على نسق منظومة الاعمار وعلى وجه اكمل ليحقق اهداف الانسانية ( هو انشاكم من الأرض واستعمركم فيها ) وان انقطاع الانسان عن عطاءاته في الحياة يعني شلل الحياة التام ، وحينما حل فيروس كرونا هذه الأيام وجثم على كوكبنا كان له تداعياته الكبيرة والخطيرة على الإنسانية وادركنا الخطر المحدق بحياة الانسان ، واصبح العالم بكل قدراته ومقدراته يتخبط في كل اتجاه ، فقد تكاثرت أصوات الصارخين ولكن للأسف لاتزال أصواتهم خارج نطاق العقل والمنطق فحينما عجز الانسان امام هذا الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة أعلن الاستسلام وقال ان الامر متروك للسماء وتلا ذلك جملة من التصاريح المخيبة للآمال وذلك هو الفهم القاصر للحياة ولا تصوّغ اقوالهم مبادئ الايثار والتضحيات كما تراها المفاهيم الإسلامية وقال كورونا نفسه على لسان الشعر عبدالرحمن العشماوي :

خذوا بأسباب دنياكم ولا تقفوا
وقوف مضطربٍ فالله حاميها

الى ان قال فيروس كرونا نفسه محذرا هذا العالم

فرّوا الى الله مني واطلبوا فرجاً
فالله مالك دنياكم ومن فيها

وقد عزيت ذلك الاضطراب لأمر واحد ، فمع مرور الزمن وتقادم الاعوام شطبت من نقولات مؤلفاتهم الروح المتوثبة للحياة حينما كان حضور علماء المسلمين مشرقاً في جنبات عصور الظلام في أوروبا وقد ُمنحت الحياة امتداداً افقياً واسعاً محفوفاً بالأمل لا يعرف الضعف والوهن ( اذا قامت الساعة وفي يد احدكم فسيلة فليغرسها ) مفهوم حاث على العمل والعطاء ولوكان ذلك في احلك الظروف ، اما اليوم تتراجع عن الخط الأول وبدأ التثاؤب في اولى مراحلة نحو افول لن يشرق ،عند ذلك يجب ان يبقى الفضل لأهله والعودة على اثر الرجع هو من سيضيف حالة من الوهج والقوة فعالمنا اليوم لايزال في حيرة بالغة يبحث عن خروج من معاناته ومحنته ، ولا يتم ذلك دون العدل والانصاف والمساواة من خلال منظومة حقوقية اممية تبتعد عن الجور والطغيان والكيل بمكيالين ، ورغم الضبابية التي تكتنف موضوع هذا الفيروس الا أنني ما زلت متفائلا حد الواثقين ، بل انني تجاوزت ذلك بآمال عالية وما اتوقعه بعد هذه الجائحة ان يشرق في العالم عهدٌ جديدٌ ولو بعد حين ويكون للإسلام حضوراً في تعاملات وسياسات البشرية ولو في الحدود الدنيا من خلال سن أنظمة جديدة تكون فاعلة لا يستثنى منها احداً وان حق الاعتراض يبنى على زيادة الأصوات وبما يضمن الحقوق والوج المشرق للعدالة وان يلتقي العالم في تواشجات حضارية يؤمن بتعاليم الإسلام التي وضعت الجميع على قدم المساواة ( كلكم لادم ) وتؤمن بمبادئه وانظمته ومنهجه في الحياة من منطلق (ولقد كرمنا بني ادم)لأنه دين الرحمة والإنسانية وبات من الضرورة ان يدرك العالم ضروراته ومحظوراته التي كفلت حق وجود الانسان وحقوقه ،فحينما غابت كل هذه المبادئ حل البلاء برغم ما وصل اليه العالم من تقدم علمي وتقني وحالة من الترف والبذخ و الغنى جعله يتمدد في غيه وطغيانه متجاهلاً فقراء الارض وكرامة الإنسانية.. والى لقاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى