رغم الطفرة العلمية التي تكتنف العالم، وانتشار الذكاء الصناعي والتقنية، واختراق الفضاء، إلا أن الكثير من الدول المتقدمة تعرّت تمامًا أمام جائحة كورونا وظهرت على حقيقتها، فقد أظهر لنا كورونا العديد من الحقائق المغيبة، وكشف لنا الحقيقة الهشة لبعض الأنظمة المملوءة بالمتناقضات المتضاربة والتي أوصلتهم إليها القيم والممارسات العولمية، ولتبين لنا كيف أنها لم تكن مهيأة للتوقي من إمكانية أن يغزوها فيروس لا يُرى بالعين المجردة، وكم تراجعت الإنسانية عند بعض الحكومات وطغت المادية المقيتة عند بعضهم الآخر !!
لقد بعث فيروس كورونا حالة رعب على الكرة الأرضية، وضرب دول كبرى، وهزّ إمبراطوريات المال والأعمال، وعطّل عجلة الاقتصاد، وضرب بورصات العالم، ودفع لأول مرة بمئات الملايين من البشر إلى الحجر الصحي، وكشف لنا أن تلك الدول لم تكن مستعدة لمواجهة طارئ كهذا؛ حتى وصل الأمر ببعض الحكومات لأن تعلن عجزها وتطلب المدد والعون، في حين كابرت بعض الأنظمة حتى خرج بهم الأمر عن حدود السيطرة.
بالرغم من كل هذا الهلع والخوف الذي سببه فيروس كورونا لجميع سكان الكرة الأرضية، إلا أن هذا الفيروس يستحق الشكر، فقد أكد لنا من جديد قوة وصلابة بلادنا، المملكة العربية السعودية وما أنعم الله به علينا من حكومة راشدة ذات بصيرة نافذة، وقادرة بتوفيق الله ثم بهمة أبنائها على مواجهة أي طارئ، فعندما تستنفر كل قطاعات الدولة وتقف صفًا واحدًا بكل هذه الاحترافية وبلا سابق إنذار، وتعمل كل الوزارات في منظومة عمل متكاملة لمصلحة المواطن وصحته وسلامته وكرامته، فوزارة الخارجية استنفرت لحماية المواطنين خارج حدود الوطن وتوفير كل سبل السلامة والطمأنينة لهم حتى عودتهم سالمين، ووزارة الداخلية التي أدت عملها على أكمل صورة في متابعة دقيقة وسريعة لتنفيذ القرارات وتطبيقها والمحافظة على أمن المواطنين وسلامتهم وتوفير الأجواء الآمنة لهم، ووزارة الصحة التي قامت بعمل بطولي ضاهت به جميع وزارات الصحة في أكبر دول العالم من اتخاذ الاحترازات والتدابير الصحية لتقديم الرعاية الطبية الفائقة للمواطنين رغم المفاجأة وصعوبة الظروف، وكذلك وزارة التجارة التي تمكنت من إدارة هذه الأزمة بكل احترافية وأكدت أن الأسواق في أتم جاهزية وأن التموين والمخزون من المواد الغذائية بإمكانه أن يغطي جميع سكان المملكة بل ويفيض بما يكفي للتصدير، أما وزارة الشؤون البلدية والقروية وأمانات المدن فقد استنفرت قواها لتقوم بدورها على أكمل وجه في تنظيم أوضاع الأسواق ومراقبة نظاميتها ونظامية العاملين بها، وتعقيم وتنظيف الشوارع وإزالة كل ما يمكن أن يساهم في انتشار الأوبئة، في حين تمكنت وزارة التعليم وخلال أيام محدودة أن تتحول بحوالي ستة ملايين طالب من التعليم الحضوري إلى التعليم عن بُعد، وفق أحدث الأنظمة الإلكترونية المتطورة …وإجمالًا فإن المجال هنا لا يكفي للحديث عن إنجازات هذه القطاعات واحترافيتها المبهرة في إدارة الأزمة .. فالجميع يؤدي دوره وفق منظومة عمل دقيقة ومتكاملة وبكل احترافية، رغم مفاجأة الموقف الذي لم يكن في الحسبان، ومع ذلك فالجميع أثبت جاهزية عالية لأي ظرف طارئ، وكل الأجهزة الحكومية أدّت دورها بشكل متناهي الدقة؛ وكأنها استعدت له منذ أوقات مبكرة، فاستطاعت بتوفيق الله سبحانه وتعالى أولًا، ثم بفضل القيادة الحكيمة لهذه البلاد المباركة والبصيرة النافذة والتخطيط السليم والإدارة الواعية والأيادي المخلصة.
عند ذلك يتضح لنا بجلاء وللعالم أجمع ما يحظى به الجميع في هذه البلاد المباركة من مواطنين ومقيمين من عناية فائقة، فسلامة المواطن وكرامته في مقدمة اهتمام الدولة سواءً في داخل أو خارج المملكة، عندها فقط ندرك قيمة الإنسان السعودي الذي يحظى بروح معنوية وكرامة منقطعة النظير، ومكانة عالية عجزت عن تقديمها دول عظمى.
وهنا يمكننا القول بأن هذه الجائحة التي اجتاحت العالم، كشفت لنا وللعالم أجمع بأن البنية الأساسية لدينا في جهوزية تامة ومتمكنة، وأننا نسير بخطى واثقة نحو رؤية 2030، وأننا نجحنا بفضل الله وبكل اقتدار في أول اختبار حقيقي، ولم يبقَ فقط إلا أن نتحول إلى مجتمع منتج ومدرك لما يفعل، مجتمع لديه الرغبة والإصرار في أن يتطور وينافس ويحتل مكانة عالية بين الأمم وأن ينقل بلاده من العالم النامي إلى العالم المتطور المنتج بكل تقنياته وعلومه وإنجازاته، فهي فرصة جيدة ونادرة قدرها الله سبحانه وتعالى وأرادها لتفتتح أعيننا على حقائق كثيرة لم نكن نقدرها، وأيضًا لتبيّن للعالم كله بأن الإنسان السعودي هو محور اهتمام ورعاية القيادة التي تشكل مصدر فخر واعتزاز لكل سعودي.
فشكرًا لوزارة الخارجية على ما قامت به تجاه لمواطنين في الخارج، وشكرًا لوزارة الداخلية على جهودها المضنية في حماية المواطنين .. وشكرًا لوزارة الصحة ولأفرادها الأبطال الذين ضحوا بسلامتهم من أجل الوطن ..وشكرًا لوزارة التجارة ولوزارة التعليم ولوزارة البلديات ولكل قطاعات الدولة التي استنفرت جهودها، وشكرًا لكل مواطن ومقيم على هذه الأرض الطاهرة، ولكل من ساهم بالتزامه ووعيه وحرصه على تنفيذ القرارات التي هي أصلًا من أجله وأجل سلامته.
وأخيرًا شكرًا لكورونا التي أظهرت للعالم كله مكانتنا وامكانياتنا ومقدراتنا وعقولنا، والتي أثبتت أننا قادرون بإذن الله على أن نتبوأ أعلى القمم، وأننا -بعون الله- صاعدون إلى سلم المجد والسؤدد.