لا تخفى على المطلع على الأدب العربي قضية الانتحال والشك في الشعر الجاهلي التي أثارها المستشرق الإنجليزي مرجليوث في بحثه المعنون بـ: (أصول الشعر العربي)، وهذا ما دفع طه حسين بعد هذا البحث بعام من إصدار كتابه (في الشعر الجاهلي) الذي عدّله بعد الثورة عليه من الأدباء العرب؛ لأن فيه اعترافًا بالشعر الجاهلي، وجعل عنوانه: (في الأدب الجاهلي)، وكانت هذه الآراء منطلقة من المنهج الفلسفي لديكارت، الذي يرى أن الشك هو طريق الوصول للحقيقة، وأول من تصدّى لهذا التشكيك مصطفى صادق الرافعي من خلال كتابيه: (تاريخ آداب العرب) و(تحت راية القرآن)، ومن الأسباب التي جعلتهم يشكّكون في الشعر الجاهلي كثرته المطلقة، ونحل الرواة مثل حماد الرواية وخلف الأحمر وأبي عمرو بن العلاء، واتهامه لهم بالمجون واللهو والفساد، وتكسُّبهم بالزيادة في الشعر، وأن هذا الشعر لا يمثّل حياة العرب الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، واختلاف لهجاتهم التي قسّمها إلى عدة أقسام، وكذلك الاستشهاد بالشعر الجاهلي على ألفاظ القرآن الكريم وقصصه الديني والحديث الشريف، أي: أن هذا الشعر موضوع بعد نزول القرآن الكريم، وبعض القبائل تعتاض لقلة مآثرهم، فجعلوا رواتهم يزيدون على أشعارهم ومنهم قبيلة قريش، وكان المحور الأساسي الذي يدعم شكوكه محور الرواية؛ لأنها كانت شفهية، حتى إنه جعل من الشعوبية داعيًا من دواعي الانتحال، وبغض النظر عن الزيادة أو النقص في الشعر الجاهلي فهذا لا يمحو وجوده، فكيف نغفل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن امرئ القيس أنه حامل لواء الشعراء إلى النار؟ ونقد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لشعراء الجاهلية وتقديمه لزهير بن أبي سلمى عليهم عندما سأله ابن عباس عن سبب وصفه له بأشعر الشعراء، فقال: لأنه (يتجنّب وحشي الكلام ولا يعاضل فيه، ولم يمدح أحدًا إلا بما فيه)؟ وكيف نتجاهل الشعراء المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية والإسلام، مثل: حسان بن ثابت الذي ثبت شعره قبل الإسلام وبعده، واتُهم بليونة شعره بعد إسلامه، والخنساء وكعب بن زهير وقصة إسلامه المعروفة وقصيدته بانت سعاد التي أنشهدها عندما قابل الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- معترفًا بخطئه ومعلنًا إسلامه؟ فهل كان قبل ذلك لا يقول الشعر؟ أتعجب من هذا التفكير وهذا المنطق؟! وهذا ما ينطبق على حسان والخنساء وغيرهما من الشعراء المخضرمين، وكذلك شعراء الصعاليك وظاهرة انتشار شعرهم وفروسيتهم، ومع ذلك بقي شعرهم مع شعراء الجاهلية حتى مرحلة التدوين، ألم يلحظ هذا كله عميد الأدب العربي؟ ولعل كتاب (مصادر الشعر الجاهلي) للدكتور ناصر الدين الأسد من أميز الكتب التي فصّلت في هذا الموضوع، وكان رده حاسمًا وعقلانيًا ينقض كل الشكوك التي أُثيرت حول الشعر الجاهلي، مع إيراد جميع الردود على طه حسين، ومن ذلك قول الأسد: (إن معظم شعر العرب كان في الفخر والحماسة؛ لأن المسلمين صرفوا عنايتهم عن رواية الشعر الذي يمثل دينًا غير الإسلام ولا سيما دين اللات والعزى مع وصول بعض منه في كتاب الأصنام لابن الكلبي وغيره)، وفصّل جميع ادعاءات طه حسين ونقضها بالحجة الدامغة وبالأدلة والبراهين بأسلوب أدبي راق ومعتدل.
لذلك أدعو كل من يرغب في معرفة تفاصيل هذه القضية ونقضها وجميع الردود عليها أن يقرأ الكتاب القيم (مصادر الشعر الجاهلي) لناصر الدين الأسد.
د. سلوم النفاعي
جميل هذا السرد ومقنع وواقعي ومُفنّد ، وبالفعل نعجب كل العجب ممن يُنكر هذا الإرث الكبير والعظيم والمتجذّر في أعماق أعماق ثقافتنا وأصولها !! والأعجب من هذا هو ذلك الأحمق الذي يكون لديه قوة ومتانة وجزالة شعر شعراء الجاهلية فينسبه لغيره وينحل شعره لأغراض وأهواء رخيصة ومبتذلة !
وبالطبع هو ليس موجودًا ??♂️ لكن من يدّعي الانتحال يقول ذلك وهذا أبسط ردّ على زيفه وباطله ??
الأخطر من قضية الانتحال هو الهدف العميق لمن يدعي هذه القضية وهو ( الطعن ) في القرآن الكريم الذي جاء في أصله معجزة للعرب وفطاحلة العرب وفصحائهم وعلى رأس هؤلاء بالتأكيد الشعراء !
فالطعن في الشعر وصدق ثبوته طعن في ماجاء متحديًا له ومعجزًا روّاده ??
أحسنت وبوركت أستاذي ??
ماشاءالله تبارك الله ابدعت يادكتور