المقالات

بركات كورونا المنزلية

القيادة والسيطرة والتحكم ، كلها مصطلحات برّاقة ولامعة في آن ، بيد أنها اتضحت جليًا مع أزمة الفيروس ” كورونا ” وحتمية البقاء في المنازل ، وتجدر الإشارة إلى أن الشعب السعودي أكثر الشعوب ابتسامة ” فرفشةً” ، ومن إبداعاته أنه لا تكاد تسنح أمامه فرصة ، أو موقف ، أو حادثة ، إلّا ويستغلها بمواقف تبعث السرور والترويح عن النفس .

ومع أزمة البقاء وحظر التجوّل ، وجدت أكثر العائلات ضالتها المنشودة ، فوجدت الأب مزروعًا داخل عائلته التي افتقدته دهورًا مديدة ، وبذلك قويت العلاقات بين الأزواج ، وأصبح التعارف قاب قوسين أو أدنى ، ونفض عنها غبار السنين ، وجفوة الافتراق ، وبما أن الأنساق الثقافية تحتّم علينا الاستعلاء أحيانًا ، فإن هذه الأعراف سرعان ما ذوت ؛ بل تلاشت ، وأصبح صاحب الكلمة يأخذ حصته في جدول العائلة اليومي ، وتتراوح الأشغال الشاقة ما بين الصالة والممطبخ غالبًا ؛ إذْ تفننت المرأة في استثمار الرجل أيما استثمار .
والأهم من ذلك اكتشاف الرجل امرأته كما يجب أن تكون ، فهي قائدة من طراز فريد ، فتتمتع بالقيادة والسيطرة والاتصالات ، وكذلك وجود قوة خارقة مضادة لأعتى الأسلحة ، وإلى جانب ذلك تتميز بالتحكم عن بعد ، وبإمكانها رشق المخالف بأي أداة قريبة منها محكمة الضربة ، وتمتلك رادارًا دفاعيًا عن بعد ، ولها خلية تجسس عالية الكفاءة ، تجلب لها الأخبار موثقة ؛ بل منقحة ومزيدة ، كما تتوفر لديها أجهزة الإنذار المبكر ، كل ذلك من أجل التربص بالكائن الحي الغريب الذي حلّ ضيفًا عليهم ، وربما يرحل في أي لحظة.

إن البقاء في المنزل قد جلب البركة لكثير من الأسر ، فالتآلف والتكاتف وتحمل المسئولية ، بات السمة البارزة لأغلب العائلات السعودية ، فبهِ تعرّف الكثير من الرجال على أفراد أسرته ، وزاد التلاحم وقويت الصداقات ، كما أن الأدوار توزعت ، وانزاح من على كاهل المرأة الكثير من العناء ، بيد أن المدارس كان لها الدور المفقود ؛ إذْ كانت مستودع السكينة للأسر ، حالها كحال مروّض الأسود في السيرك ، وتبقى المرأة في نظري أقوى من الرجل ، فمع هذه الأزمة أثبتت كفاءتها بجدارة ، فهي الدينمو المحرك ، وهي الصدر الرءوم ، وهي مستودع الأفراح والأحزان ، تقوم بدور الشرطة ، والضبط والإحضار ، والمحكمة ، والسجّانة ، وتستطيع التمثيل وتقمص أصعب الأدوار ، وتنسف كل التكهنات كاملة ، وتختصر الحياة بدمعــة.

Related Articles

3 Comments

  1. فعلا د نايف العلاقة قويت في البيت، وحتى التباحث في الأمور العائلية التي كانت سطحية تعمقت ، وأصبح كل أفراد العائلة له دور في البناء الأسري ، ورب ضارة نافعة
    .مبدع دائما د. نايف

  2. رائع .. . رائع .. وصف دقيق يا دكتور ، والله أنني أقرأ جميل ما كتبت وأبتسم وكأنك أمامي ( صوت وصورة )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button