الأزمة في أبسط صورها هي الشدة التي يتعرّض لها الفرد والمنظمة والدولة على حدٍ سواء، وليست الأزمة بحد ذاتها شرًا في كل جوانبها، فقد كانا أسلافنا يقولون: “في كل محنة منحة” فالمهم هو حسن التعامل معها وإدارتها وكيفية النظر إليها، فقد برع الصينيون في صياغة مصطلح الأزمة (C D) إذ ينطقونه ( Ji-Wet) وهي عبارة عن كلمتين الأولى تدل على ( الخطر ) والأخرى تدل على (الفرصة) التي يمكن استثمارها، وتكمن البراعة هنا في تصور إمكانية تحويل الأزمة وما تحمله من مخاطر إلى فرصة لإطلاق القدرات الإبداعية التي تستثمر الأزمة كفرصة لإعادة صياغة الظروف، وإيجاد الفرص واكتشافها وتطويرها.
ومن هذا المنطلق علينا أن نكتشف الحب، نعم الحب لأنفسنا، وبيوتنا، وأبنائنا، وأهلنا، ووطننا، فهو أحد الحاجات الضرورية الخمس التي تضمنها هرم ماسلو، الذي تناول حاجات الإنسان وتأثيرها على سلوكه، كواحدة من أكثر النظريات قبولاً وشيوعًا حتى يومنا هذا، تقول هذه النظرية إن الإنسان يعمل من أجل تحقيق خمس حاجات رئيسية لديه هي تحقيق الذات، التقدير، الاحتياجات الاجتماعية، الأمن والسلامة، والاحتياجات الفيسيولوجية، ويتم إشباع هذه الحاجات على مراحل بحيث يندفع الفرد لإشباع إحداها فإذا فرغ منها وأشبعها انصرف إلى الثانية وهكذا.
ونحن أشبعنا بعض هذه الحاجات باستثناء حاجة الحب التي نسيناها في زحمة الدنيا، التي لم نحسن فيها ترتيب أولوياتنا، وانصرفنا عن الأهم إلى المهم، وخلال فترة التوقف الإجباري التي نعيشها هذه الأيام، علينا أن نعيد فيها تقييم إنجازاتنا مهما كانت بسيطة، وإن شئت فقل تقييم المرحلة الماضية من عمرنا، فهل منحنا أنفسنا الحب؟! هل عملنا على تطوير ذواتنا، هل خططنا لمرحلة ما بعد التقاعد، حتى لا ندخل في أزمة كنا نؤجل التفكير فيها ظنًا منا أنها لن تأتي سريعًا، هل منحنا أنفسنا ساعات خاصة بنا للخلوة والتفكر والتأمل، وتصفية الذهن، ربما تكون الإجابة الغالبة بالنفي، إذا نحن لا نحب أنفسنا!!، علينا أن نتعلم الحب في زمن الكورونا.
هل نحب بيوتنا؟! أم هي فنادق ومطاعم لأغلبنا؟!، هل حولناها إلى بيوت جاذبة، مهما كانت مساحتها، فغرفة الفندق لا تتجاوز أربعين مترًا، وهي غرفة نوم، وصالة جلوس، ومكتب، ومطبخ، ودورة مياه، المكان يُعمر ويزدان بساكنيه، قبل جدرانه، بيوتنا وأقصد المنزل، بحاجة إلى إعادة التفكير فيه، وتحويله إلى جنة خاصة تسرك أولًا قبل أن تسر الناظرين، فقد علمتنا فترة الحجر الصحي وبقائنا في منازلنا أشياء كثيرة، فهل نحن فعلاً نحب بيوتنا؟، علينا أن نتعلم الحب في زمن الكورونا.
نعتقد أننا نحب أطفالنا!!، والإجابة دومًا حاضرة، أعمل من أجلهم، هذا واجبك، ومسؤوليتك، فهل منحتهم ما هو أهم من الماديات، هل منحتهم ذاتك، وبعضًا من وقتك؟، هل أسبغت عليهم حبك وعاطفتك؟ إذا لم تفعل فسيفعل غيرك موهمًا إياهم بأنه نبع الحنان الصافي، ثم يأخذهم إلى حيث يريد!!، هل تعرف شخصياتهم جيدًا؟، هل تعرف آمالهم وآلامهم وطموحاتهم؟، هل تعرف أصحابهم؟ أجزم أن أغلبنا لا يعرف الإجابة!!، علينا أن نتعلم الحب في زمن الكورونا.
زوجاتنا وقد كثر الاستظراف حول البقاء الإجباري معهن في البيوت، لماذا يتخذ البعض من الزوجة خصمًا وعدوًا يتمنى الخلاص منه؟ هل للزوجة سبب في ذلك؟ لكل بيت حالته الخاصة، وقد خلق الله الزوجين ليسكن كلًا منهما للآخر ، لكن ما نراه وما نسمعه وما تمطرنا به وسائل التواصل الاجتماعي؛ يخالف هذا الهدف الرباني السامي، من المسؤول؟ زوجك يختلف عن أي زوج في الدنيا، وكذلك زوجتك تختلف عن أي زوجة في الدنيا، لا أحد -وخصوصًا النساء- يسقط مشاكل الآخرين على نفسه دون حدوثها ليستمتع بدور المظلومية، واستدرار عاطفة البشرية!! علينا أن نتعلم الحب في زمن الكورونا.
وقفة:
نحن من نصنع المرار، ونحن من نصنع الحلاوة لحياتنا فلنكتشف في أنفسنا روائع الأشياء والمواهب والقدرات والأفعال الجميلة؛ ولنعمل بها لنجمل بها حياتنا؛ ولنستفيد من قدراتنا ونسعى دائمًا نحو التطور والإبداع، علينا أن نتعلم الحب في زمن الكورونا.
مقال جميل
وأعتقد كم نحن بحاجة إلى نشر معاني الحب والتفاؤل والأمل ، وتثبيط المهددات النفسية ، والاجتماعية ليشعر الجميع بروح إيجابية .