لعلَّ أزمة كورونا التي نعيشها، نحن والعالم، هذه الأيام، تناسبها المقولة الشهيرة “رُبَّ ضارة نافعة “. وذلك بالنّظر لما توفره لنا الإجراءات الاحترازية التي تضطرُّنا إلى البقاء في المنزل لفترات طويلة، من منافع، تُعيننا على الارتقاء بمستوى أدائنا لمسؤولياتنا عامَّة، ومسؤولياتنا تجاه أبنائنا؛ خاصَّة. فذلك البقاء يُعيننا على مراجعة مواطن التقصير في علاقتنا بهم، ومواقف إعدادنا لهم للحياة الناجحة، في المجالات المختلفة، بدًءًا بحياتهم معنا، الحياة الأسرية. علينا مراجعة طُرُقنا التي اعتدنا عليها، وهي تلبية كلِّ مطالبهم، وتحقيق جميع رغباتهم، حتّي أنّهم ما عادوا يشعرون ـ كما ينبغي ـ بقيمة النِّعَم التي يعيشون في ظلالها، بل ويتذمرون من أبسط أنواع المضايقات، التي لا تكاد تخلو منها مواقف الحياة. ومن هنا علينا الاستفادة من بقائنا في البيوت لأوقاتٍ طويلة، في أن نجلسَ إليهم، نمنحهم جُلَّ اهتمامنا، نستمع إليهم، نحاورهم، ونُفهِمُهم سُنَنِ الحياة، وأنَّ المكابدة إحدى تلك السُّنَن، تخبرنا بذلك الآية الكريمة ” لقدْ خلقنا الإنسانَ في كَبَدٍ” نُفْهِمهم أنّ عليهم أنْ يتقبلوا ما تفرضوه الظروف الراهنة، بنفوس راضية غير متذمِّرة، وأنَّ عليهم بمساعدتنا ـ نحن الآباء والأمهات ـ أنْ يستثمروها في القيام بأنشطة وأدوار وإبداعات ذات لون مغاير لما اعتادوا ممارسته، أنشطة تحقَّق لهم، ولمجتمعهم وبلادهم منافع ما كانوا يلتفتون إليها.
كما أنَّ علينا تذكيرهم بالقاعدتين اللتين وضعهما لنا رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنبني على أساسهما أنظمة حياتنا، وهما قاعدتا “الصبر والشكر”، حيث قال: “عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمره كلَّه خير؛ إنْ أصابته ضَرَّاء فصبرَ كان خيرًا له، وإنْ أصابته َسرَّاء فشكر، كان خيرًا له”. علينا إفهامهم قيمة الصبر، ومنزلته وضرورته وآثاره ونتائجه في جميع مواقف الحياة، وقيمة الإحساس بالنِّعم التي نعيشها، فنشكرُ اللهَ عليها، وندعو لِمَنْ كانوا سببًا في توفيرها لنا، أُسَرنا، ثمَّ دولتنا، فهي نعم جليلة، وجلالها يُظهِرُه ساطعًا ـ على الرُّغمِ مِماَّ نُعايشه من ظروف ومضايقات وباء كورونا ــ تأمُّلُنا لضِدِّها، تأمَّلنا لحال مَنْ حُرِموا من أبسطها ومن الأساسيِّ منها، ومِنْ هؤلاء اللاجئون المشردون من بيوتهم وأوطانهم، الذين قد لا يجدونَ ما يَسدُّ رمقهم، أو يُعالج أمراضهم، أو يَقيهم ويدفع عنهم موجات البرد والصقيع، أو سطوة الخوف، وعدم الشعور بالأمان.
أجل إنَّها مسؤوليتنا التي ينبغي أنْ نستغل حدوث هذه الأزمة، وما يُتيحه لنا البقاء في البيوت من أوقات، في سدِّ جوانب القصور في أدائنا لمهامِّنا تجاه أبنائنا، مسؤوليتنا الأولى، التي إنْ أحسنَّا أداءها، نكون قد أحسنَّا إلى مجتمعنا وبلادنا، بل وإلى الحياة في أصقاع الأرض.
*******
د.خديجة الصّبّان