المقالات

هل ينشأ فرع باسم (علم اجتماع كورونا)؟

أصبح فيروس كورونا عابرًا للقارات، مشابهًا للشركات العابرة للقارات، فقد بدأ في الصين، ومنها انتشر في آسيا، ثم غزا جميع القارات، وأصاب أكثر من مائة وثمانين دولة، على اختلاف في درجة التأثير بين تلك الدول.

وتنطبق على كورونا جميع مواصفات الظاهرة الاجتماعية، ويُتوقع أن يكون تأثيره مستمرًا لفترة قادمة، قد تطول وقد تقصر، وقد تأتي موجات متتالية منه بصور مختلفة، وعليه أتوقع أن ينشأ فرع جديد من فروع علم الاجتماع يسمى (علم اجتماع كورونا)، وسوف يتناول جوانب كثيرة، أهمها ما يلي:
١) تغير موازين القوى في العالم، وسنشهد عالمًا متعدد الأقطاب، وستصعد قوى وستهبط قوى، كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية، وستظهر تحالفات جديدة في العالم.

٢) تأثيراته على الاقتصاد وعوامل الإنتاج، وسيكون للمنتجات الصحية نصيب الأسد، وستتراجع الصناعات الحربية وسباق التسلح، ومن ثم ستقل الحروب، وستنكفئ المجتمعات على ذاتها، وسيتدنى مستوى السياحة، وسيقل حضور الحفلات الترفيهية ودور السينما والمراقص والبارات تجنبًا وخوفًا من الفيروس وموجاته المتتالية. وسيزيد اقتصاد المنزل، وخاصة في المجتمعات التي لا زالت الأسرة تقوم بدور كبير وفعال.

٣) قضايا التعليم والتدريب، سوف يزيد التعليم والتدريب عن بعد، وسيتم البناء على التجربة القائمة الآن أثناء فترة انتشار كورونا، ومن المتوقع ألا يحضر الطلاب إلى المدارس والجامعات إلا يومين في الأسبوع، وستتم الجدولة على أساس تقليل الأعداد في كل يوم. وسيكون لذلك تأثيراته الاقتصادية والبيئية وغيرها.
4) كورونا والعقائد، سوف يشهد العالم موجة قوية من العودة إلى الأديان المختلفة، وستدخل مئات الملايين من الناس في دين الإسلام، والمؤشرات على ذلك كثيرة، منها زيارة رئيس وزراء الصين لأحد المساجد ودعوة المسلمين إلى أن يدعو للصين بالخروج من هذه الأزمة، وتبع ذلك تخفيف على المسلمين، ومنها صلاة إيطاليين خلف المسلمين، والكتابات والمقاطع التى ظهرت تشيد بدور الإسلام في مكافحة الأمراض والأوبئة وأن المسلمين المحافظين على الصلوات هم أقل الناس إصابة بالفيروس، بسبب تكرر عملية المضمضة والاستنشاق، وغيرها من خصائص الإسلام التي تدعو إلى السلام والرحمة والنظافة وحسن الخلق، وحسن التعامل. وستقل موجة الخوف من الإسلام والدعايات المضللة ضده.
٥) قضايا الأسرة، مثل زيادة معدلات التعاون والتوافق، او زيادة معدلات الطلاق، والاختصار في تكاليف الخطوبات والزواجات، وأماكن قضاء شهر العسل، وغير ذلك من قضايا الأسرة.
٦) قضايا البيئة، ستنشأ دراسات حول تأثير كورونا على المحافظة على البيئة، والتقليل من التلوث، مثل: قلة حركة السيارات، وتوفير الطاقة، والحرص على النظافة بصورها المختلفة، نظافة الهواء والماء والتربة.

وسوف يكون لكورونا تأثيراته على الأخلاق والنظم القضائية، والنظم الاجتماعية المختلفة.
فكورونا يشبه العولمة، كنا ندرسها في ظل المثاقفة، أو في ظل التغير الاجتماعي، أو ظل الانتشار الثقافي، وهناك من جعلها تبدأ قبل ٥٠٠ سنة، وكنا ندرسها تحت عناوين مختلفة، ولكنها أصبحت موضوعًا مستقلًا، له تاريخه ونظرياته، ودراسة تأثيراته السلبية والإيجابية.
وعلم الاجتماع الطبي، ندرسه منذ عقود، ولم يغب عني أن كورونا يمكن أن يقع تحت مظلته، ولكن بما أن تأثيراته كبيرة، وشاملة، وتتعدى الجانب الطبي، إلى جوانب الحياة المختلفة السياسية والاقتصادية والترويحية والسياحية والدينية والبيئية، وتغير بعض العادات والتقاليد مثل: عادات السلام وعادات الطعام والشراب وغيرها، فهو بهذا يخرج عن مجال علم الاجتماع الطبي.
وأتوقع أن تدرس الأقسام ذات العلاقة تجارب استجابات الدول والمجتمعات لهذه الجائحة، وسيكون النموذج السعودي من أبرزها، فرغم أن السعودية تحوي أقدس بقاع المسلمين، ويأتيها الزوار والمعتمرون من جميع بقاع العالم، ومساجدها وأسواقها تكتظ بالناس، وتزدحم مدارسها وجامعاتها بالطلاب، فقط اتخذت قرارات حازمة وصارمة نجحت في الحد من هذا المرض، وكل ذلك تم وفق فتاوى من هيئة كبار العلماء، وهذا يدل على مرونة الإسلام واستجابته للتغيرات الكبيرة، وأن لديه طرقه ووسائله الفذة في المحافظة على أرواح الناس، سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين. من جهة أخرى، ظهرت الكثير من الكتابات حول كورونا في الأسابيع الماضية، منها ما كتبه الزملاء خالد الشريدة، وعبد المحسن العصيمي وعبدالعزيز المشيقح، ومنها ما كتبه صحفيون وكتاب متميزون، وما كتب في الغرب عن الإسلام ومكافحة كورونا، وبعض خصائص الإسلام القائمة على الرحمة والتسامح والأخلاق النبيلة، جمعت تلك الكتابات وتم إصدارها في كتاب مستقل، لكان فيه خدمة بناءة وكبيرة للعلم والمعرفة، والدراسات والمشروعات الكبيرة تبدأ صغيرة ثم تكبر مع الزمن، والله الموفق.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button