المقالات

منع التجول “من منظور نظامي”

منذ عصفت بالعالم جائحة كورونا المستجد في فبراير الماضي، والدول منقسمة على نفسها، بين متردد ومبادر، فالمتردد تكبد خسائر عظيمة في الأرواح والأموال بسبب هذا التردد، وأما المبادر فقد اتخذ من الإجراءات الاحترازية ما يكفل وقف تدهور الحالة الصحية للشعب ووقف نزف النظام الاقتصادي للدولة.
وكان من فضل الله على بلادنا المملكة العربية السعودية أنها كانت من الصنف المبادر؛ حيث أمر خادم الحرمين الشريفين “حفظه الله” باتخاذ كافة التدابير الاحترازية والإجراءات الكفيلة بحماية الإنسان في المملكة العربية السعودية من آثار هذا الوباء، في الوقت الذي تكبدت فيه دول العالم المتردد أضرارًا جسيمة ولازالت في حرب ضروس مع الوباء.

فمنذ دقت نواقيس الخطر في العالم، بادرت المملكة إلى اتخاذ عدد من الإجراءات الاحترازية لاتقاء هذا الوباء وتجنيب البلاد آثاره، بدءًا من تعليق العمرة والزيارة وتعليق الذهاب لمقار الاعمال الحكومية، وانتهاء بفرض حالة منع التجول داخل المدن إلا في أضيق الحدود. وقد لاقت هذه التدابير الترحيب والالتزام التام من الجميع في هذا البلد ولله الحمد، لأن المواطن والمقيم فطن إلى مقصد الدولة من فرض هذه التدابير الرامية إلى حفظ حياة الانسان وصيانة صحته، فقد رجحت القيادة الرشيدة كفة قيمة الإنسان على بقية الموازين.

إن منع التجول والتنقل هي حالة استثنائية حتمتها الضرورة وهي خروج عن الأصل، ويعود ذلك إلى أن الأنظمة والقوانين السارية في الظروف العادية تحد من حركة أجهزة الدولة في مواجهة الظرف الاستثنائي في ظل تلك الأنظمة، ومن بين هذه الظروف الاستثنائية جائحة “كورونا المستجد”؛ الأمر الذي أعطى الدولة الحق في فرض هذا النوع من التدابير المؤقتة.
في القانون المقارن نحن أمام ما يسمى بـ “قانون الطوارئ” حيث تعلن الدولة حالة الطوارئ كلما تعرض الأمن أو النظام العام فيها لخطر محدق سواءً كان ذلك بسبب الحرب أو التهديد بالحرب، أو انتشار الأوبئة، فيكون الإعلان بقرار من رئيس الدولة على أن تتولى قوات الأمن أو القوات المسلحة تنفيذ إجراءات الطوارئ، ويبين القانون في الوقت نفسه العقوبات واجبة التطبيق.

أما في المملكة فقد أعلنت الدولة قرار منع التجول باستعمال أداة نظامية تعد هي الأعلى من حيث الأهمية “الأمر الملكي”، فهي أداة تعبر عن إرادة الملك وحده لتنفيذ ما له من صلاحيات يتفرد بها، ومما يتفرد به الملك الحق في إعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة، وله إذا نشأ خطر يهدد سلامة المملكة، أو وحدة أراضيها، أو أمن شعبها ومصالحه، أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء مهامها، أن يتخذ من الإجراءات السريعة ما يكفل مواجهة هذا الخطر (61م / 62م – النظام الأساسي للحكم).
وقد أعطى الأمر الملكي لوزارة الداخلية الاختصاص في تطبيق منع التجول مع ورود بعض الاستثناءات، ونص على أن تتعاون كافة الجهات المدنية والعسكرية في سبيل تنفيذ القرار، ثم تبع ذلك بيان وزارة الداخلية الذي كشف النقاب فيه عن خطة الوزارة لتنفيذ قرار المنع بما في ذلك العقوبات والغرامات الواجبة التطبيق، مع أن الأمر الملكي الكريم لم ينص على نوع العقوبة ومقدارها لمخالفي أحكام القرار؛ ولعل ذلك يرجعنا إلى نص المادة (29 معدلة) من نظام الدفاع المدني التي خولت لوزير الداخلية “رئيس مجلس الدفاع المدني” حق تعيين العقوبات بحق مخالفي خطط الطوارئ والكوارث على أن لا تتجاوز عقوبة السجن مدة سنة وغرامة مالية لا تتجاوز خمسين ألف ريال أو إحدى هاتين العقوبتين، وهذا النص لازال ساري المفعول حتى مع إنشاء مجلس المخاطر الوطنية حديثًا، وذلك إلى حين تعديل اللوائح والخطط الصادرة من مجلس الدفاع المدني بما يتفق مع أهداف المجلس.

وبما أن تدابير منع التجول وإن كانت في جوهرها تصب في حماية الأفراد؛ إلا أنها تنطوي على تقييد لبعض الحريات العامة، وقد أرعاها النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية عنايته فنص في المادة (82) إلى عدم الإخلال بأحكام المادة (7) من النظام تحت أي ظرف من الظروف بما في ذلك أوقات الكوارث والطوارئ، وتنص هذه المادة على أن الحكم في المملكة العربية السعودية يستمد سلطته من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة.

د. أحمد علي الشهري

دكتوراه في الشريعة والقانون

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. جزا الله القائمين على خدمه الدين والوطن والمواطن خير الجزاء ونأمل المزيد من الجهود وندعو الله الذى تجلى فى علاه أن يكشف الغمه عن الامه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى