بَرَزَت في الآونة الأخيرة شخصياتٌ أدبيةٌ في مجال الرواية والسَّرد القصصي، وما يُميّز هذه الشّخصيات هو أنّ مخزونها الأدبي لا يَبْرُز إلاّ في الأحلام والرؤى المنامية، فما إن تَتَغَشَّى أحدهم غَفْوَة من نعاسٍ حتّى تَصْحو قريحته فَيَمْتَطيها الخيال سابحًا في دوامةٍ من الوهم، ليَبْتَكِر الأدوية الناجعة لـ”فايروس كورونا”ويُجَدِّد الإيمان في نفوس البشر، ويخلق الحلول لمشكلاتهم…!؟
إنها قصص وُلِدَت أثناء النّوم على شكل رؤى وأحلام…اتَّخَذَتْ من “فايروس كورونا” مادةً خصبةً لموضوعاتها، فَأَسَرت بَعَض العقول وهَفَت إليها بعض الأفئدة…
ولا أظن أنني وحدي الذي عِشْت تلك اللّحظات، وشَعُرت بذلك الإحساس المؤنس… عند سماع بعض تلك القصص خاصة تلك القصة التي كانت تتحدث عن شيخٍ كبيرٍ يرتدي جِلْبابًا أبيض اللون، يطوف على الناس بهدوء وسكينة، ويأمرهم بالاستغفار، وعندما تَعالَت أصوات الجموع بالاستغفار سَبَّح الرَّعد وأمطرت السماء (صابونًا) فتدفَّقت السيول وَجرفَت فايروس”كورونا”، وأراح الله منه البلاد والعباد…
وهناك قصص أُخرى سمعتها وشعرت بالرَّغبة في الضَّحِك…لكنَّني ما لَبِثْت أن ابْتَلَعْت الضّحك، وأحْسَسْت بالإشفاق ليس على الرائي وحده، بل على كل الذين يصدّقون هذا النوع من الخرافات ويؤمنون به…؟.
إنّ قدوة المسلمين وإمامهم ومربيهم هو النبي- صلى الله عليه وسلم-وقد قَسَّم عليه الصلاة والسلام الرؤى المنامية إلى عدّة أقسام، وجعل منها ما هو من عَبَث الشَّيطان، ولا أظن أنّ –أغلب- هذه الرؤى إلاّ من عبثه؛ لأنّ الانسان عندما ينشغل بالأكل ويجعل منه وسيلةً لتضييع الوقت، واستجلاب الوَخَم حتى يأتي الليل، ويحل ميعاد النوم، يكون فريسةً للشيطان؛ حيث يسهل عليه خداعه واستدراجه إلى مسرح الأوهام والأحلام…قال ابن القيّم- رحمه الله-: “الشيطان أعظم ما يتحكم من الإنسان إذا ملأ بطنه من الطعام”.
وحين تكون أوهام النفس من المستوى الشيطاني، يمكن أن يكون الشيطان طرفًا في هذه الرؤى التي جَعَلَت من أصحابها أعوانًا له، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا، وجعلت منهم أداة هدم للّدين وهم يظنون أنهم أداة بناء، وذلك لما تحمله بعض هذه الرؤى من خرافات وبِدَع مخالفة للشرع والعقل…
وقد حاولت جاهدًا فهم الدافع الحقيقي لهذه الأحلام، فدخلت عالمها المظلم بحثًا عن صحيحها وزائفها، وسليمها وسقيمها… تَتَبَّعت بعض الأحلام في الماضي والحاضر، مُحاولًا ربط الأحداث ببعض، والتّعرف على سلوكيات الناس في مواجهة المخاوف…وبعد قراءة مئات الصفحات عن أحلامٍ أضَلَّت أذواق بعض المفسرين، وأُخرى أفسَدَت أذواقهم…لم أصل إلى مُبتغاي من البحث والتَّحري، لكنَّني خرجت بنتيجةٍ مهمةٍ، وهي أنّ أغلب هذا النّوع من الأحلام كان لِأُناسٍ سَيْطَر الخوف على أنفسهم؛ لأنهم لا يملكون القدرة على مواجهة المخاوف بالطرق الصحيحة، فَسَرَقَهم من دنيا الواقع الملموس، وألقى بهم في دنيا الهواجس والخيالات، فباتوا يدورون في دوّامتها باحثين عن لحظة هدوء وأمان في دنيا الأحلام، بعيدًا عن “كورونا”…
وفي الختام عزيزي القارئ نحن أُمة الوَحْيَيْن (القرآن الكريم، الحديث النبوي الشريف) وفيهما من دواء النفوس والأجساد ما يُغْنِينا عن وصَفَات منامية…
وأدعوك أيها القارئ الكريم أنْ ترفع قلبك إلى الله قبل يديك، وتدعو معي بدعاء رسولنا صلى الله عليه حينما تقطَّعت به الأسباب، وتكاثر عليه سفهاء المشركين في الطائف، يطاردونه ويُلقون عليه الحجارة حَتّى أَدْمَوْا قَدَميْه الشَّريفتين، فجلس مُتْعبًا يلتقط انفاسه، ويدعو ربه ذلك الدعاء المؤثر: (اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي، أَوْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي، غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَنْ يَحِلَّ عَلَيَّ غَضَبُكَ أَوْ أَنْ يَنْزِلَ بِي سَخَطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ).