الأحكام التكليفية كما نعلم خمسة أحكام:
واجب ومندوب، ومحرم ومكروه، ومباح.
فالمباح هو الجائز فعله وتركه بلا ندب ولاكراهة.
كالخروج للأسواق والتبضع والمشي في الطرقات، وما إلى ذلك من السلوكيات المباحة.
فهذه المباحات عمومًا لا يجوز لجهة أن تحرم، أو أن تعلق فعلها على إذنها وترخيصها بدون توجيه ولي الأمر، أو ترتب ضرر مؤكد فقد دلت الأدلة الشرعية التفصيلية على أنه يجوز لولي أمر المسلمين فقط أن يقيد المباح مؤقتًا، أو المنع منه كذلك، وأن يكون مخصوصًا بحال أو نازلة معينة وفق ضوابط معينة منها:
أولًا: أن يكون فعل المباح مؤديًا إلى ضرر أو حرام، فلمن له ولاية أمر المسلمين: منع حصول الضرر، أو المحرم، وذلك نحو أن يكون شخص مريضًا بداء معدي، كالجذام، والكوليرا، والجدري، وداء العصر كورونا مثلًا، وغيرها من الأوبئة المعدية، فيمنع التجمع ويغلق أماكنه تفاديًا لنقل العدوى إلى غيرهم، وكمنع ضعيف البصر من قيادة المركبات في الطرق للضرر الحاصل من ذلك، وهذا كله يندرج تحت القاعدة الشرعية:
منع الضرر والإضرار.
وقاعدة: منع ما يوصل إلى الحرام.
ونحو ذلك من القواعد الشرعية.
ثانيًا: أن يكون أمر المباح المراد تقييده متعلقًا بشؤون الدولة ورعيتها عامة، كشؤون جيشها وموظفيها، والنظام الصحي والتعليمي فيها، فلها أن تلزم أو تقيد عمل من يتعلق به ذلك من موظفيها وجنودها وعمالها وطلابها لتحقيق مقصد شرعي، نحو إلزام الموظفين بدوام معلوم، وإلزام الجيش بلباس معين والطلاب بالتعليم بطريقة معينة ليس فيها تجمع، ولقد ثبت مثل هذا التقييد للمباح عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين؛ حيث منعوا عمالهم من قبول الهدايا، وإن كانت الهدايا في أصلها مباحة لهم.
ثالثًا: أن يكون أمر المباح مما يترتب على تقييده دفع ضرر جسيم عن الرعية، كما هو الحال في منع التجول وحظر التنقل بين المدن والمناطق؛ لمخافة تفشي وباء من الأوبئة كما هو الحال في وباء كورونا المعاصر الذي انتشر وتفشى في جميع دول العالم تقريبًا.
فلولي الأمر (السلطان) أو من يمثله من الأجهزة في الدولة أن يقوم بتنظيم المرافق العامة والخاصة مما يكون فيه مصلحة لدفع ضرر الوباء، وجلب مصلحة الشفاء.
إذ موضوع الضرر أو المحرم أمر يمكن إدراكه والتحقق من وقوعه، وليس أمرًا مبهمًا لاسيما إذا كان له تعلق بالمصلحة العامة، فإذا تدخلت الدولة في تقييد مباح أو منعه لمنع ضرر أو محرم، فإنه يتحتم على الرعية الالتزام بهذا التقييد على سبيل الوجوب طاعة لولي الأمر، وتحقيق.ا لمصلحة عامة، ودفع ضرر مؤكد.
حفظ الله الوطن والقيادة والشعب.
ورفع هذا الوباء عن البلاد والعباد.