ف-نار
أن تكسب ثقة الناس يعتبر أمرًا صعبًا، ولكن الأصعب منه هو كيف تحافظ عليها خصوصًا إذا جاء هذا المكسب نتيجة تراكمات من الجهود المضنية، وبعد أن أفنيت السنوات الطوال من العمر حتى إذا تحقق لك ما تتمنى وظننت أنّ هؤلاء الذين منحوك ثقتهم سيوافقونك الرأي بلا تردد أو مراجعة فرُحتَ تعلن عن آرائك ووجهات نظرك بلا رقيب من نفسك أو مراجعة ضمير، فالنتيجة ستكون بمثابة التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا.
قبل أيام قليلة احتجت سيدة الشاشة الخليجية على وجود الوافدين (المصريين) على أرض الكويت في هذه الأزمة التي تعصف بالعالم أجمع بحجة أنّ الكويت لا تتحمل (لا تتحمل ماذا؟)، وأعطت لنفسها الحق في فتح في ملف يجب ألا يمس بسوء لأسباب أخلاقية وإنسانية، فمن شهد مرحلة غزو الكويت، وعايش تلك الفترة العصيبة يعلم حجم التضحيات التي بذلها المصريون وغيرهم من إخوانهم العرب في سبيل احتضان إخوتهم الكويتيين، ولا غرابة في ذلك فالدين والأخلاق والقيم التي تربى عليها الفرد العربي تملي عليه فعل ذلك بلا منّة أو تفضّل، ثُمّ إنّ الكويت تميزت منذ نشأتها بأنها فتحت أحضانها لكل العرب، ودمجتهم في مجتمعها من دون تفريق فحملوا على عواتقهم المسؤولية الوطنية كما حملها الكويتيون، وسيدة الشاشة الخليجية واحدة ممن كان للمصريين فضل عليها في نجاحها وصعودها في سلم المجد والشهرة حتى وصلت ما وصلت إليه اليوم فهل الجزاء إلّا من جنس العمل؟ ألم يخبرك أحد عن أعداد المصريين الذين اختلط دمهم بدماء الكويتيين من أجل التحرير أم أنّ الدنيا حين أقبلت عليك تنكرّتِ لأساتذتك ومعلميك وللسواعد الفذّة التي شاركت بكل إخلاص وحبّ في تشييد الكويت الحديثة؟ إنّ إنكار المعروف ليس من شيم الكرام، وما تفوهتِ به “حياة الفهد” ليس إلّا كمن يضرب جبلًا بمعولٍ خشبيّ فهو كلما هوى به على جانب أدمى الصخرُ يدَه فيثيب إلى رشده ويعلم أنّه يتحدى جبلًا، فالكويت لا ترضى بالمزايدة عليها من أبنائها ومواطنيها، والشعب العربي المصري أسمى من أن يناله أيّ عربي بالتنكر لما قدم لوطنه العربي من أفضال لا يحصيها إلّا الله، والتاريخ هو الحكم.
والسؤال الحاضر في أذهان الجميع: ما الذي دفع حياة لتقول ما قالت حتى وصل بها الأمر أنّها تطالب برمي هؤلاء الإخوة الوافدين في الصحراء؟ والجواب لا يحتمل أكثر من سببين إمّا أنّها فقدت ذاكرتها أو أنّها فقدت ضميرها وفي كلتا الحالتين يتوجب على الكويتيين حظر أمثالها من التحدث لوسائل الإعلام، والتصدي لكل من يسيء لسمعة الكويتيين التي بنوها على أساس من المحبة والتسامح والألفة والاحترام مع شعوب الأرض قاطبة فضلًا عن إخوتهم العرب.
كانت الكويت ولم تزل كالأم الرؤوم لكل من يعيش على أرضها قدمت له وقدم لها، فالمعروف قاسم مشترك بين الأرض والمقيم على الأرض، وهذا المبدأ كان ولا يزال يميز هذه الدولة منذ تأسيسها إلى يومنا هذا وذاب في طبع وسلوك الكويتيين؛ حتى أصبح قيمة متوارثة فإذا ارتفع صوت كويتي يخالف هذا النَّفَس أظنه لن يلقى قبولًا، وسيخسر صاحبه جولته من أول كلمة ينطق بها.
ختامًا..
(كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) وهذا موقف يحتاج إلى توبة نصوحًا فهل تتراجع سيدة الشاشة الخليجية عن موقفها، وتعتذر لإخوانها الوافدين الذين لا زالوا في دوامة الصدمة.