حينما ننظر ونترقب من خلال تلك الشاشات المحمولة أو المعلقة على الجدران نرى العالم كله يعيش حالة توتر وارتباك وعدم توازن أدى ذلك لتعثر عجلة النمو، فتخلخل الكيان العالمي وارتبك بسبب كائن أحقر وأضعف من البعوضة التي ذكرها الله في محكم التنزيل حينما قال جل وعلا:
(أن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها)
ومع أن البعوض كما نعلم حشرة نراها بالعين المجردة، وفي الغالب نسمع طنينها فنكافحها، ونتقي من ضررها بأبسط الطرق وعلى افتراض أتها تمكنت من اللسع لشخص ماء من رأسه حتى أخمس قدميه فإن نسبة احتمال الشفاء عالية جدًا، ونسبة نقل العدوى معدومة.
بلا شك أن العالم أجمع لم يكن في حاجة لفيروس كورونا ذلك القاتل الخفي، وإن كان يقال أن الإنسان هو من ساهم في نشره بقصد أو بغير قصد أو بتجاوز غير منطقي من البله والحمقى.
(ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)
نحن المسلمين بفضل الله ومنته نقدر ونعلم يقينًا بأن كلما يجري في الكون هو بأمر الله وبمشيئته، وهذا مؤصل في عقيدتنا ضمن أركان الإيمان بركن الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره.
كل ذلك لا يعني أن نترك الحبل على الغارب، بل يجب أن نقف في تحدٍ لمواجهة الخطر بكل قوة اتباعًا لقول الله جل وعلا:
(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)
ثم قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)
كما قال رسول البشرية وموجهها
(اعقلها وتوكل)
لست متخصصًا شرعيًا لأبحر في هذا الجانب، ولكن لعل من البديهي والمسلم به أن شريعتنا السمحة تأمر بالمحافظة على النفس؛ لأنها أمانة عظيمة فربما كان الإهمال فيما يعرضها لما يتلفها يعد قتل عمد.
حكومتنا الرشيدة أيدها الله بنصره ممثلة بمليكها وولي عهدها لم تألوا جهدًا في كل ما من شأنه المحافظة على الكيان البشري فسارعت بكل الطرق لاحتواء أضرار ذلك الفيروس في مهده.
ليس هناك تحسر أكثر من إيقاف الشعائر الإسلامية في أماكنها المخصصة مثل الحرمين الشريفين والمساجد في شتى الأرجاء بمملكتنا الحبيبة، وبفضل الله أن هناك يسرًا شرعيًا يبيح للضرورات مثل ذلك. ناهيك عما يلحق بإيقاف مسيرة العلم بصروحها المختلفة وتعليق دوام كثيرًا من الأجهزة الحكومية والخاصة؛ لتكون إدارتها عن بعد قدر الإمكان وهكذا استنفر العالم.
شخصيًا تعرضت قبل بضعة أيام لعارض صحي بسيط صاحبني فيه العطاس مع التهاب بسيط في الحلق، ولكن القلق وحب الحياة بالطبيعة البشرية لعب دورًا حساسًا في الشعور بدخول وهم كورونا الفتاك، رغم حرصي الشديد على عدم المخالطة والعمل بالحجر قبل أن يفرض من الحكومة.
تخيلت أن هذا الشبح تسلل إلي حينما ذهبت للسوق بحذر، واستلمت بعض المشتريات، وربما نقلت لي شيئًا من القاتل الخفي المسمى كورونا.
بدأت أبتعد عن أسرتي قدر الإمكان، وأقول هم أحق بالعيش مني كونهم أصغر سنًا.
حينما أريد أن أحتك في أجزاء من رأسي أو من وجهي أتذكر فأتوقف رغم احتياجي لمداعبة ذلك الوجة الوضاء الحزين البريء، وأصبر رغم الألم.
تأملت وجهي في المرآة فكأنه يعاتب أناملي، ويقول لماذا التنكر أيتها الأصابع الجاحدة أناديك لإماطة الأذى فلا تستجيبين.
فكأنها ترد عليه لأني أحبك وأخشى عليك من الأذى ولا أريد أن يكون لي سببًا في بطش الضرر لمن لا أحب. فكيف بمن أحببت ورافقته العمر كله.. وفضلت أن أمسك أيها الوجه بأيدٍ طاهرتين كما تعودنا.
في وقت لم يكن مناسبًا أبدًا تلقيت رسالة واتساب تفيد أن وزارة العدل تطلق خدمة (تسجيل وصية) تحسبًا لأي طارئ.
قلت في نفسي على قولة الأخوة المصريين (هو احنا نأصين حاقه من ده)
لاحول ولا قوة إلا بالله كلنا ندرك أن الموت حق، ولكن هذا الحق من أصعب الأمور التي نحاول بكل جهد تدارك تأجيلها لأقصى حد ممكن.
ثلاثة أيام التزمت كتم مافي نفسي عن وهم كورونا خشية أن يزيدون الطين بله.
عندما استشعرت أنني بخير ولله الحمد، وأن كل ذلك مجرد وهم ووسواس بدأت أطنطن وأغني بسرور، وأنظر لأعضائي وأطمنها أنني بخير من فضل ربي.
رأيت أن أشرع بهذا المنشور لأقول لأولئك الذين رأيتهم في أكثر من موقع يتزاحمون بشكل عشوائي بالعشرات أمام الأسواق، وبعضهم يقوم بشراء كميات تفوق الحاجة لاعتقاده أنه سيعيش أمدًا بلا حدود.
فأقول لهم ابتعدوا عن هذا السلوك غير الحضاري، ولا أبالغ أن وصفته بسلوك إجرامي؛ كونه من الاحتمالات الأولية لنقل الفايروسات بأنواعها…!!!!!
حدثني زميل كنت أحسبه موسوسًا، وأيقنت لاحقًا أنه على حق يقول عندما أدخل البيت أغسل يداي بالصابون، ثم أقول هل غسلتها بصابون أم بدون وأكرر ذلك مرارًا، ويضيف أصبحت أغسل كوب الشاي عدة مرات ثم أشكك أنه لم ينظف فأسكب الشاهي، وأغسله مرة أخرى..
ثم يحدث نفسه هل رميت القفازات بعد التسوق في مكان أمين ثم يسترجع كل خطوة حتى يتذكر.
إنه الموت وكفى بالموت واعظًا.
ومضة:
ديننا عظيم لأبعد ماتعني العظمة، فحينما يأمرنا بالغسل والطهارة والوضوء خمس مرات في اليوم كل ذلك لم يأتِ عبثًا؛ فإنه يعني الطهارة من كل الأدران.
مقال/ إبراهيم العسكري.