قد يستغرب بعض القرّاء هذا الموضوع لهذا المقال؛ ولكن يجب أن نعرف حقيقة أن الإنسان مفطور أن يكون عبدًا لله تعالى، وهو مجبول أن يبحث عن الحقيقة عن كيفية التدين الذي يعبد الله تعالى به؛ فكان الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام هم من يعلمون، ويبينون للناس كيفية العبادة، ولكل منهم شريعة، ومنهج لكن العقيدة واحدة هي: “لا إله إلا الله”.
قال الله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) المائدة 48.
وحين تندثر الشرائع أو تخبو تأتي شخصيات قد تبالغ وتغالي في إعادة الناس إلى الشريعة، وقد تأتي أخرى متساهلة تمارس تمييع الدين، وأخرى تعيد الناس إلى المنهج الصحيح من سلامة المنهج؛ المنهج الوسطي المعتدل دون زيادة أو نقص أو مبالغة وغلو.
نحن في المملكة العربية السعودية دائمًا ما يشار إلينا بأننا مجتمع محافظ، ومتدين، وهذه خلة حميدة، وصذف حسنة أن نرى بهذا الجمال.
لكن هل التدين، والمحافظة ملازمة لنا من زمن الصحوة حين كانت هي الخطاب العام قبل اختراقها من جماعة الإخوان.
فيما أراه كانت هناك ظواهر في السبيعينيات الميلادية، التسعينيات الهجرية، وما قبلها بقليل وما بعدها كذلك ظاهرة أحادية المصدرية في التلقي دون تنوع، وتجاهل التابين في المجتمع الاجتماعي، والثقافي، والمذهبي، كذلك تمكن المنتمين لبعض التيارات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان من منابر التأثير في التعليم، الإعلام، الإعلام، حتى الأندية الأدبية والثقافية، وإقامة الندوات، والمحاضرات ذات الصبغة الإخوانية، بهذه الطريقة تم اختراق الصحوة والتي كانت خطابًا عامًا.
صنعت جيلًا ملقنًا، منفذًا، متوجسًا من المجتمع، ومن محيطه، ومن العالم فغرس مفهوم الآخر المعادي، دون أن يفكر ذلك الملقن، والمتلقي من قراءة ما بين الأسطر، دون أن يكون له بعد نظر، انعكس تصرفها على المجتمع سلبًا تمثل في التكفير، ومعادات الدولة، ومجابهتها وكلنا يتذكر وعاصر التفجيرات التي طالت الكثير من الأوطان العربية وبالأخص وطننا المملكة العربية السعودية.
هكذا كان متدين الأمس متدينًا متلقيًا ملقنًا دون أن يعي ما يؤمر به، وخطورة ما يمارسه.
وهنا أطرح مقارنة بين متديني الأمس واليوم:
*متدين الأمس قد يخشى أن يمارس بعض المهارات الحياتية خوف منه أن ذلك يتناقض مع تدينه؛ بينما نجد متديني اليوم أكثر تعاملًا مع الحياة المعاصرة وما أنتجته بواقعية واتزان.
*متدينو الأمس كانوا نسخًا مكررة، وتأخذ بمنهج أحادي، بينما نرى متديني اليوم يدركون أهمية التنوع في المصدرية، ويؤمنون بالتباين في المجتمع دون ممارسة جفاء، أو إقصاء مع المخالف.
أستطيع أقول إننا أمام ظاهرة وعي وصحوة أخرى منضبطة نراها في متديني اليوم في خطابهم يتسع للمجتمع، ونرى وعيًا بأن الإسلام له مع كل عصر عطاء، شعاره الوسطية، والاعتدال، والدعوة بالتي هي أحسن، متدين اليوم يدرك أن العصر له ظواهره المستجدة يقابلها وعيا منه أن فقهه الإسلامي لا يتصف بالجمود، والركود أمام العصر وظواهره.