حسن عطا الله العمري

كورونا مكرونة

يحلو لي كثيرًا في ساعات الحجر المنزلي الطويلة أن أراقب عن كثب أحفادي وحفيداتي، وهم يتراكضون أمامي ويلعبون سويًّا في سعادة غامرة وضحكات هانئة آسرة، وأنا أنظر إليهم وأتأمل وجوههم البريئة التي تشع فرحًا وعيونهم التي تتراقص طربًا، وأملًا، وأحلامًا كبيرة بحياة جميلة هانئة سعيدة.
لا يعرفون معنى للقلق والهموم الكاسرة، ولا يخشون من مستقبل مجهول أو أزمات قاتلة طاحنة.
حقًّا إن الطفولة عالم نقي برئي فريد من نوعه محظوظ من يرزقه الله بأطفال وأحفاد يرسمون في حياته البسمة والبهجة والضحكة في كل ركن من أركان المنزل ليلًا ونهارًا.
إنها من نعم الله العظيمة علينا التي ينشغل بعضنا عن التمتع بها ويلتهي عنها بحجج واهية كاذبة، ولا يشعر بقيمتها وفضلها للأسف إلا من حُرم منها.

وفجأة، وأنا مستمتع بهذه الأجواء الطفولية الرائعة مستذكرًا طفولتي الوادعة على مرتفعات ومنحدرات وسفوح جبال مكة الغالية مع أقران لي أحببتهم، ويحبوني منهم من رحل إلى رحمة الله، ومنهم من لازال صديقًا أكن له كل الود والاحترام، وأتذكر معه ذكريات داعبت فكري وظني ماضية، وقد أصبحوا كبارًا وأجدادًا أنهكتهم السنين والأيام القاسية، وقبل أن أصحو من شريط الذكريات بادرني حفيدي بسؤال طفولي برئي أضحكني كثيرًا، وجعلني أقبّله وأحضنه إلى صدري حين قال يا جدو (حسن ) متى تنتهي هذه المكرونة عشان تودينا معاك البحر أنا طفشت خلاص ؟؟هذه اسمها فيروس كورونا ياسعود !! ، مكرونة يا حبيبي أكلة لذيذة نأكلها وقلت في نفسي يا الله أطفال في عمر الورد من براءتهم لا يفرقون بين فايروس قاتل مثل كورونا العالمية، وأكلة لذيدة كالمكرونة الإيطالية.
وسبحان الله الذي لا يجمع بين عسرين فإن كانا لفايروس كورونا من أمور إيجابية فأحدها يتمثل في هذا التفاعل الحميم والاقتراب والاجتماع الأسري الذي نعيشه داخل بيوتنا، والذي كنا للأسف نفتقده وننشغل عنه، ولا نشعر بمتعته وقيمته.
صور كثيرة ومواقف لا تعد ولا تحصى بسبب كورونا افتقدناها، ونشعر الآن بقيمتها وجمالها وفتنتها لم نكن نلقي لها بالًا، إحدى هذه الصور كان يحلو لي بعد صلاة الفجر يوميًّا أن أقضي ساعة من نهار أمارس فيها رياضة المشي على كورنيش مدينتي المحبوبة جدة وبعدها أرتشف قهوتي في كافيه جميل ورائع على ضفاف البحر يجعل صباحك منعش بخدمته وقهوته المتميزة التي تجعلك تستفيق وروحك متفائلة، تلك كانت عادة يومية لا أزيح عنها أبدًا، ونلتقي سويًّا مع أصدقاء رائعين لديهم نفس العادات والهوايات والاهتمام، ونتبادل أطراف الحديث سويًّا في جو بحري منعش مع نسمات العليل قبل شروق الشمس في نشاط وسعادة تبهج الروح والخاطر.
لم أكن أتخيل ولو للحظة أنه سيأتي يومًا سيصبح فيه ممارسة الرياضة في البحر أمرًا مستحيلًا والخروج من المنزل ليس كما تحب وتهوى وتخطط.
ربما صدق حفيدي حين قال عن كورونا مكرونة فقد تغيرت حياتنا، وتعقّدت وأصبحت أشبه بمكرونة ليس سهلًا أن تلُفّها وتلتهمها بسهولة كما كنا نفعل في السابق.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. محاكاة ناغية بين جدٍّ فاضت به أحاسيس الحب والحنان.. والهلع على أسرة رجاؤه أن تكون في ودٍّ وحفظٍ وسلمٍ وأمان.. وبين طفولة تناغيها براءة الرحمن وتجتذبها الفرحة والبسمة المرسومة على وجه لاح بعطاء مزدان..
    ماأروع المقال الذي لفّت حروفه أنامل يدٍ بالحرير مزدان..
    للصحيفة والكاتب قوافل ود ومواكب ورد هتان..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى