عالم التدريب وما أدراك ما عالم التدريب ؟ هو عالم مليء بغريبي الأطوار ( عباقرة الفهلوه ) الذين يبيعون الوهم والكلام في أروقة الفنادق والقاعات الفخمة على حساب المخدوعين بهم من الطلاب والطالبات الباحثين عن الشهادات، وكذلك من الموظفين والموظفات الباحثين عن الترقيات، وأخيرًا وليس آخرًا من العاطلين عن العمل الذين يحاولون ملء سيرتهم الذاتية بهذه الدورات والتشبث بها لعل ذلك يشفع لهم في سوق العمل.
استغل هذه الاحتياجات بعض المغرورين الذين يطرزون أسماءهم بالألقاب الوهمية فهذا مدرب دولي، وذاك مدرب معتمد من المريخ، وآخر عضو في جمعية الكشافة العالمية، والرابع عضو في جمعية هونلولو للمرضى النفسيين، والخامس حاصل على شهادة دولية من منظمة النصب الدولية التي تمنح الألقاب لمن يدفع رسوم العضوية، وقيمة الاشتراك هي خمسة ريالات فقط بعد الخصم، تحصل بعد ها على ما تريد من الألقاب الوهمية.
وهنا أوجه نصيحة لكل متدرب، اذا شاهدت كثرة المناصب والنياشين في الإعلانات ففر من هذه الدورة فرارك من الأسد؛ لأن من يقوم بهذا ( الهياط ) من المستحيل أن تجد لديه ما يمكن الاستفادة منه، ولو وجد لدى هذا المدرب العظيم ( عقل ) ناهيك عن ( علم ) لما صدق نفسه هذه الألقاب الوهمية التي يضحك بها على نفسه قبل غيره.
وأمام هذه الفوضى العارمة في سوق التدريب والتي أدت إلى سوء المخرجات، يتساءل المتابع أين هي إدارة التدريب الأهلي ؟ وهي الجهة المسؤولة عن قطاع التدريب، والتي تدير هذا السوق بأسلوب ( خل الدرعا ترعى ). وبعبارات علمية، ترك السوق لآليات العرض والطلب وهذه الآليات هي التي تصحح أوضاع السوق. وحقيقةً، هذه الفلسفة أثبتت جدواها في الكثير من القطاعات وأنا لست ضد هذا الأسلوب في إدارة بعض القطاعات، ولكن لا بد من تدخل إدارة التدريب الأهلي لتصحيح بعض الأوضاع (وعدم ترك الحبل على الغارب) حتى لا ينهار السوق تمامًا، ويصبح على ما هو عليه الآن من سوء في المخرجات، ودورات سطحية، وأوهام تباع في أروقة الفنادق.
على ضوء ما سبق، سوف نركز في هذا المقال على بعض فئات المدربين الذين سنسميهم ( مدربون ويكبيديا ) . بعبارة أخرى، يدور هذا المقال عن (بياعي الكلام) وأهمية تصنيف الدورات التدريبية للحد من هذه الفوضى وخصوصًا المبالغة في مسميات الدورات التدريبية والألقاب الوهمية لمن يقدمها.
بعض هذه المسميات ينخدع بها كثير من الطلاب والطالبات المستفيدين من هذه الدورات، فتجد على سبيل المثال دورة بعنوان: (التخطيط الاستراتيجي الاحترافي)، ولكن عندما تشاهد محتوى هذه الدورة تجد أن الاحتراف في وادٍ وهذه الدورة في وادٍ آخر. لأن ما هو موجود في هذه الدورات هو مجرد مفاهيم أولية وخزعبلات سطحية لا تليق حتى بمستوى طالب في المرحلة المتوسطة ناهيك أن تسمى دورة احترافية أو استراتيجية او غيرها من المسميات.
لذلك وقبل الحديث عن الحلول، دعونا نتوقف عند نقطة مهمة، وتساؤل أهم، وهو السؤال عن كيفية تصميم هذه الحقائب الخنفشارية ذات الأسماء الرنانة ؟ وللإجابة على هذا السؤال فإنه من خلال تتبعي للكثير من محتوى الحقائب التدريبية وجدت أن أغلب محتوى هذه الدورات الخنفشارية هو مقتبس من موقع ويكيبيديا وغيره من المواقع السطحية على شبكة الإنترنت مثل موقع موضوع وغيره.
فلو أخذنا مثالًا عمليًّا على ذلك، أي كيفية تصميم هذه الدورات، نجد أن بعض المدربين إذا أراد أن يخدع الناس بدورة تدريبية عن التسويق الاحترافي مثلاً ؟ فإن كل ما يقوم به، ويتعب نفسه فيه، هو إنجاز هذه الخطوات اليسيرة جدًّا:
1. يقوم المدرب الهمام بكتابة ( تسويق احترافي ) على صفحة البحث في قوقل، بالمناسبة هذا المدرب متخصص بالطب البيطري ولا يعرف عن التسويق الاحترافي إلا ما يعرفه المواطن الياباني عن الفعل المضارع والجار والمجرور.
2. بعد خروج نتائج البحث في قوقل عن ( التسويق الاحترافي ) يجد المدرب الهمام أول نتيجة أمامه من موقع ويكيبيديا، وعند فتح هذه الصفحة بشكل عشوائي يجد تعريف التسويق وأنواعه ومراحله وباقي المعلومات السطحية. في هذه اللحظات يقفز هذا المدرب من الفرح وكأنه وقع على كنز.
3. يقوم بعدها بعمل قص لتعريف التسويق وأنواعه ومراحله، وباقي المعلومات السطحية ويلصقها على برنامج بوربوينت. ويعمل من هذه المعلومات السطحية قرابة خمسين سلايد من سلايدات البوربوينت المطرزة بالورود والتصاميم الوردية. وبهذا فقط تكتمل الحقيبة !! بعبارة أخرى وباختصار، يستطيع أي شخص، بهذه الطريقة، أن يعمل ثلاثة آلاف حقيبة تدريبية بين (العصر والمغرب) ثم يرسلها مجانًا مع (الخيالة) إلى دكاكين التدريب.
وبعد أن تكتمل الحقيبة “السطحية” يقوم المدرب “الأكثر سطحية ” بعمل إعلان مشوق بمسمى عريض على سبيل المثال: (الدورة التسويقية الاحترافية الخنفشارية العظمى) تذكرني هذه المسميات بأسماء بعض الدول في عهد معمر القذافي. وبالمناسبة فإن أغلب هؤلاء المدربين مصابين بجنون العظمة مثل صاحبنا تمامًا. وهؤلاء بالمناسبة جاهلون جهل مركب، والمقصود في الجهل المركب هو (الجاهل الذي لا يعرف أنه جاهل) خصوصًا تحت وطأة الألقاب السحرية التي يطرز بها جهله .
ومما يجب التنبيه إليه، أن الطلاب والمستفيدين عندما يشاهدون هذه الإعلانات ومسمى الدورات الجميل والمخادع في نفس الوقت، يقوم هذا الطالب أو المستفيد بالوقوع بالفخ، ويسجل في مثل هذه الدورات، ويدفع فيها الأموال الطائلة التي سيأكلها المدرب بالباطل (والعياذ بالله) . والغريب في مثل هذه الحالات ليس المدرب وإنما المستفيد نفسه، لأن هذا المستفيد لو قام بكتابة (تسويق احترافي) في قوقل مثلًا؛ لوجد نفس المعلومات السطحية التي وجدها المدرب وبالتالي لا يوجد هناك حاجة لتكبيد نفسه عناء الحضور لمثل هذه الدورات وبعثرة الأموال لبياعي الكلام (أقصد بعض المدرين طبعًا).
مدربون ويكيبيديا هؤلاء يشبهون الببغاوات ودوراتهم أشبه بحلقات الدراويش التي يردد فيها الجميع الكلام المكرور بدون تعب أو ملل طالما أنها تجني الأموال الطائلة. وإذا أردنا الإنصاف فإن هذه الدورات هي أشبه بتجمعات القراءة الجماعية حيث يجتمع مجموعة من الراغبين في الفائدة ويقرأ واحد منهم في كتاب أو رواية والبقية يستمعون. وفي حالة الدورات التدريبية ( إياها ) فإن من يقوم بهذا الدور هو المدرب مع عرض بعض المقتطفات من الكتاب على السلايدات ( إياها )، وهي كما ذكرت مطرزة بالورود وتعرض على الشاشة الكبيرة في آخر القاعة. وإذا أردنا الإنصاف أكثر، فإن القراءات الجماعية أكثر عمقًا مئات المرات من هذه الدورات الخنفشارية.
قد يقول قائل: ولكن هذه الدورات حتى لو كانت سطحية وبسيطة فإن هناك أشخاصًا مبتدئين يحتاجون لمثل هذه الدورات. وهذه بلا شك ( وجهة نظر معتبرة ) بل مهمة وصحيحة. وهنا يأتي دور إدارة التدريب الأهلي بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني؛ حيث يجب عليها تصنيف الدورات التدريبية قبل اعتمادها، وهذا الواجب يجب أن يكون من ضمن أولوياتها الوظيفية والتي يأتي في مقدمتها وضع الشروط والضوابط اللازمة لتقنين هذه الدورات.
بناء على ما سبق، يجب على إدارة التدريب الأهلي أن تضع من ضمن شروط الموافقة على إقامة الدورات شرطًا جديدًا، وهو كتابة مستوى الدورة في كافة الإعلانات التسويقية لكافة الدورات وفي مكان بارز في الإعلان. على سبيل المثال، لو أخذنا نفس الدورة التي تحدثنا عنها أعلاه وهي : ( دورة التسويق الاحترافي الخنفشاري العظمى) مثل هذه الدورات يجب أن لا يكتفى بعنوان الدورة المظلل، بل يجب أن يوضع مستوى الدورة في الإعلان نفسه وبمكان بارز وبهذا اللفظ: (المستوى مبتدئ) .
وهكذا تصنف كافة الدورات إلى ثلاثة مستويات : ( مبتدئ – متوسط – متقدم) ، حسب محتواها العلمي، وأنشطتها التدريبية، وقوة مخرجاتها، ومدى قرب تخصص المدرب من مجال الحقيبة التدريبية؛ لأن عدم تخصص المدرب في هذا الموضوع، أو عدم وجود خبرة لديه في هذا المجال؛ فإن ذلك سيقلل من مستوى الدورة إلى مبتدئ حتى لو كان محتوى الدورة متقدمًا.
تطبيق مثل هذه الضوابط يعد سهلًا جدًّا. لأن من المعروف أن الدورات التدريبية التي تقيمها دكاكين التدريب لا يسمح بها إلا بعد أخذ الموافقة من إدارة التدريب الأهلي ( إياها )، وهذه الموافقة لا تصدر إلا بعد دفع الرسوم الخاصة باعتماد الحقيبة التدريبية ورسوم أخرى لاعتماد إقامة الدورة بحيث تدفع هذه الرسوم في كل مرة يراد فيها إقامة الدورة . وعلى طارئ ( الفلوس ) أتمنى من إدارة التدريب الأهلي أن لا تكتفي بتحصيل الرسوم وأن تركز أكثر على ما هو أهم. لذلك، وكحل لهذه الفوضى في سوق التدريب، وللحد أيضًا من عمليات النصب والاحتيال في هذا السوق، أقترح أن يكون من ضمن الشروط للموافقة على أي دورة تدريبية أن يحدد مستوى الدورة. ويشترط أيضًا، وكما ذكرت سابقًا، كتابة مستوى الدورة في مكان بارز في الإعلانات الخاصة بكل دورة. بل يجب أن يكتب ( مستوى الدورة ) بخط أكبر من ( عنوان الدورة ) لتوعية المجتمع وتحذيرهم من سطحية المدربين، وسطحية أغلب الدورات الموجودة في سوق التدريب.
كذلك يجب كتابة مستوى الدورة على الشهادات حتى لا ينغر أرباب العمل أثناء البحث عن كوادر متدربة فينصدم بهذه السطحية البسيطة من أصحاب الشهادات الخنفشارية أو بمعنى أصح ضحايا المدربين الخنفشاريين؛ لأن صاحب العمل يتوقع أن يوظف شخصًا محترفًا كما هو مكتوب في الشهادة التدريبية وهي على الشكل التالي : ( الدورة التدريبية التسويقية الاحترافية )، ولكن يكتشف بالنهاية أن المتقدم للوظيفة ما هو إلا ضحية لمدرب جاهل ( أجهل من بعير أهله ) أنتج ( حاشي ) أجهل من مدربه.
لهذه الأسباب وغيرها، يجب تصنيف الدورات حتى نضع حدًّا لهذه الفوضى العارمة في سوق التدريب خصوصًا من ناحية المسميات الخنفشارية والقاب المدربين الوهمية. كذلك يجب التنويه، أن ترك مثل هذا الموضوع بدون تصحيح سوف يؤدي إلى المزيد من ضحايا ( مدربوز ويكيبيديا ) الذين وجدوا أشخاصًا من عشاق ( جمع الشهادات )، والخاسر الأكبر هو سوق العمل.
في الختام، يجب تكثيف الحملات التوعوية وتفعيل دور الإعلام التدريبي؛ للتحذير من خطورة هذه الأوبئة والأمراض التي انتشرت في سوق التدريب السعودي كانتشار ( سيئ الذكر ) في سوق ووهان الصيني. ولا يمكن القضاء على هذه الأمراض إلا من خلال الابتعاد عن خفافيش الإنترنت، وعزل المدربين عن موقع ويكيبيديا. والأهم من كل ذلك، الالتزام بمنع التجول في أروقة الفنادق بحثًا عن الدورات، ومنع التجمعات التدريبية حتى الانتهاء من الفحص المبكر على مستوى المدربين ومحتوى الحقائب التدريبية. يستمر العمل بهذه الاحترازات حتى اختفاء الألقاب الوهمية وكتابة مستوى الدورات في الإعلانات. حتى ذلك الحين ( كلنا مسؤول ): المدرب، والمتدرب، وإدارة التدريب الأهلي.
مبدع كما عرفتك
تحياتي
مبدع دئما استاذنا محمد
والله مقال ممتع وشيق وهادف … اسال الله ان ينفع بك البلاد والعباد