أكثر من ثلاثين عامًا قضاها في خدمة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والمصلين القائمين الراكعين الساجدين، قائدًا للقوة الخاصة لأمن المسجد الحرام، يجوب أرجاءها محافظًا على أمنها ورخائها ساهرًا على راحة ضيوفها ورفاهيتهم.
إنه القائد السابق للقوة الخاصة لأمن المسجد الحرام اللواء عبدالله العصيمي، متحدثًا لصحيفة “مكة” الإلكترونية عن أبرز المحطات في حياته والمواقف التاريخية والأحداث التي عايشها ولا ينساها في هذا الحوار الآتي:
1- في البدء نتعرف على ابن مكة؟
عبدالله محمد بريك العصيمي العتيبي.
2- في أي حارة كانت نشأتكم لواء.م عبدالله؟
بداية الميلاد كان في حي الشرائع، وفي السنة الثانية من العمر انتقل والدي _ يرحمه الله_؛ للسكن في مكة المكرمة في حي شارع الحج، وكانت طفولتي وشبابي وجميع مراحل دراستي وأحلى أيام عمري في هذا الحي.
3- أين تلقيتم تعليمكم؟
جميع مراحل تعليمي كانت في ذلك الحي الجميل بجمال وروعة ساكنيه رحم الله الميت منهم، وأطال عمر الحي على طاعته حيث كانت دراستي الابتدائية في مدرسة عمر بن عبدالعزيز، والمتوسطة في مدرسة موسى بن نصير، والمرحلة الثانوية في مدرسة ثانوية الحديبية ولازالت تلك الصروح التعليمية راسخة البنيان في مواقعها سوى الابتدائية انتقلت إلى مبنى مجاور للمبنى السابق ولم يؤثر ذلك النقل على عبق وتاريخ وذكريات المكان.
4- ماذا بقي في الذاكرة من أحداث عشتم معها عراقة الحارة؟
جميع الأحداث لا تزال عالقة في الذاكرة.. ذكريات جميلة لا يمكن أن تنسى أو تمحى، الجيرة الطيبة، والألفة، والمحبة التي يتمتع بها سكان الحي دون استثناء حيث كان كل أب وكل أم يعتبرون كل طفل في الحي هو ابن لهم يحرصون على تربيته التربية الصالحة.
5- في مرحلة الطفولة العديد من التطلعات المستقبلية.. ماذا كنتم تأملون حينها؟
حقيقة لم تكن التطلعات المستقبلية واضحة في بداية الأمر؛ لمحدودية المعلومة حيث كانت تقتصر على تجاوز المرحلة التي نعيشها حتى الوصول إلى السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية (التوجيهي) حينها بدأت الخطوط والاتجاهات تتضح وكل من أخذ مساره وفق ما كتبه الله والحمد لله.
6- تربية الأبناء في السابق بنيت على قواعد صلبة ومتينة.. ما هي الأصول المتعارف عليها في ذلك الوقت؟
كان الجميع يحرص على التربية الصالحة ذات المرجعية الشرعية المنبثقة من الكتاب والسنة، والحرص على أداء الأبناء الصلوات في المساجد، وتعريفهم بالعادات المجتمعية الطيبة.
7- في تشكيل صفاتكم ساهمت الكثير من العادات والتقاليد المكية في تكوينها ما أبرزها؟
البساطة، ومحبة الآخرين، ومساعدتهم، وقضاء حوائجهم وهي نعمة من نعم المولى عز وجل علينا.
8- الأمثال الشعبية القديمة لها أثر بالغ في النفس.. ما هي الأمثال التي لازالت باقية في الذهن؟ ولماذا؟
“من طلع من داره قل مقداره” ،
“اعمل الخير وارميه في البحر” ،
“الصديق وقت الضيق” ،
“الجار قبل الدار”.
9- الحياة الوظيفية.. أين كان لشخصكم القدير أول بداياتها؟ وآخرها؟
بدايتها ونهايتها كانت جميلة بجمال وروعة المكان حيث أنعم علي المولى عز وجل بشرف عظيم شرف خدمة بيته الحرام طيلة واحد وثلاثين عامت بدأت مع سنة تخرجي برتبة ملازم في ١٤٠٨/١٠/١٥ هجري عملت خلالها في جميع أقسام القيادة المكتبية، والميدانية إلى أن صرت قائدا للقوة الخاصة لأمن المسجد الحرام واستمرت هذه الخدمة حتى تاريخ تقاعدي ١٤٤٠/٣/٢٧ هجري فلله الحمد والمنة.
10- شهر رمضان و شهر الحج من المواسم الدينية والاجتماعية المميزة حدثنا عنها.
لاشك أن موسم شهر رمضان المبارك، وشهر الحج لهما طابع خاص ومختلف في مكة المكرمة على وجه الخصوص؛ كونها تحتضن بيت الله الحرام، والمشاعر المقدسة، وتشهد حركة دائمة وكثافة زوار عالية تتعلق بنسك العمرة، وفريضة الحج
ولكن هاتين المناسبتين تعنيان لي الشيء الكثير حيث عاصرت وعملت واحدا وثلاثين موسما لشهر رمضان، ومثلها لموسم الحج تشرفت طيلة هذه الفترة بخدمة زوار بيت الله الحرام.
11- تغيرت أدوار العمد في الوقت الحاضر وأصبحت محددة.. كيف كان دور العمدة في الحارة؟
العمدة سابقا كان يعني الشيء الكثير لأهل الحارة وكانوا يقصدونه في كثير من أمورهم، وكانت الدولة تعول عليه في كثير من المهام الأمنية والاجتماعية والإنسانية. حيث كان يتولى مهام حصر ومعرفة أهل الحارة، والتعريف بهم، وتبليغ وإحضار المطلوبين من أهل الحارة لدى الجهات الأمنية، وكان يقوم بدور المصلح الاجتماعي، ومعرفة احتياجات أهل الحارة وظروفهم المعيشية، والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة وأهل الخير في مساعدة المحتاجين.
12- القامات الاجتماعية من تتذكرون منها والتي كان لها الحضور الملفت في الحارة؟
كان الحي يزخر بكثير من القامات الاجتماعية وكانت ذات حضور ملفت ومؤثر في الحي وعلى أهل الحي وحقيقة أعدادهم كثيرة ومن قبائل متعددة.
13- هل تتذكرون موقفا شخصيا مؤثرا حصل لكم ولا تنسونه؟
العارض الصحي الذي تعرض له والدي (جلطة في الرأس) ودخوله في غيبوبة لمدة شهر كامل توفي على أثرها بتاريخ ١٤٣٠/١٠/٢ هجري تغمده الله بواسع رحمته.
14- المدرسة، والمعلم، والطالب ثلاثي مرتبط بالعديد من المواقف المختلفة..هل تعرفونا على بعض منها؟
حقيقة المدرسة هي المكان الذي تفتقت أذهاننا فيه، ومن خلالها تعرفنا على العالم من حولنا في الداخل والخارج بفضل الله تعالى، ثم بفضل كوكبة من المعلمين المخلصين، وفيها العديد من الذكريات المتنوعة والتي لا يمكن أن ينساها الإنسان وإن نسيت منها شيئا فلا يمكن أن أنسى هذا الموقف الطريف ففي اختبار مادة التاريخ في الصف الرابع كان من ضمن الأسئلة : أين نزل القرآن الكريم؟ فكتبت في غار حراء ففوجئت بزميل لي ينظر في إجابتي ويقول لي: غلط.. غلط في غار ثور.. في غار ثور فتشككت من إجابتي وكتبت غار ثور كما قال لي وعندما خرجنا من قاعة الاختبار اكتشفت أن الإجابة الصحيحة هي التي كتبتها أولا فانفجرت في وجه صاحبي ألومه وأوبخه وكانت سببا في معاقبة المعلم لي. والمواقف كثيرة لكن هذا من أبرزها بالفعل ما أجمل تلك الأيام.
15- كثرت وسائل الإعلام في الوقت الحاضر وأصبحت مرافقة مع الناس في كل مكان.. ماهي الوسائل المتوفرة لديكم في السابق؟ وما أثرها على أفراد المجتمع آنذاك؟
الوسائل المتوفرة في ذلك الزمن الجميل كانت محدودة تقتصر على جهاز التلفاز بقناتيه الأولى والثانية وذات وقت محدد ينتهي في تمام الساعة الثانية عشر ليلاً، وكذلك الإذاعة، والصحف الورقية وكانت تحوي برامج ومعلومات هادفة.
16- تظل للأفراح وقفات جميلة لا تنسى في الحارة.. ماذا تتذكرون من تلك اللحظات السعيدة؟ وكيف كانت؟
كانت الأفراح لها طابع خاص حيث لم تكن قصور الأفراح منتشرة وكانت أغلب المناسبات تقام في الأراضي والمساحات الفارغة في نفس الحي وكانت تبنى الخيام؛ لاستقبال المعازيم، وكان الجميع يتعاون وبوقت مبكر في الإعداد لهذه المناسبة،
وكان الفرح والسرور يعم الجميع رجالا وأطفالا ونساء.
17- الأحزان في الحياة سنة ماضية.. كيف كان لأهل الحارة التخفيف من وقعها؟
لاشك بأن لهم دور كبير في التخفيف والمواساة والوقوف بجانب بعضهم البعض.
18- الأحداث التاريخية الشهيرة في حياتكم والتي عايشتموها هل تتذكرونها؟ وما الأبرز من تفاصيلها؟
هناك أحداث تاريخية معلومة للجميع أبرزها وفاة الملك فيصل _يرحمه الله _
19- ماهي الألعاب الشعبية التي اشتهرت بها حارتكم؟
كثيرة منها طاق طاق طاقية، والبربر ، والبرجون، ولعبة الرن، والكيرم، والمراجيح، والدنينة، والضومنة.
20- لو كان الفقر رجلا لقتلته مقولة عظيمة لسيدنا علي رضي الله عنه.. هل تروون بعضا من قصص الفقر المؤلمة؟
ولله الحمد لم نعايش في فترتنا أيا من قصص الفقر المؤلمة فالحال كانت ميسورة ولله الحمد، كما أن تكاتف الناس وتآلفهم مع بعضهم وتفقدهم لبعض لم يجعل مكانا لشيء من ذلك.
21- ماذا تودون قوله لسكان الحارة القديمة؟
الدعاء لمن مات منهم بالرحمة والغفران، والتوفيق والسعادة للأحياء، ونحثهم على ضرورة استمرارية التواصل والاجتماع لاسيما وأن الزيادة الأسرية والتوسع العمراني تطلب الانتقال من الحي إلى مناطق أخرى.
22- رسالة لأهالي الأحياء الجديدة.. وماذا يعجبكم الآن فيهم؟
ضرورة التواصل، وتفقد احتياجات البعض منهم؛ لأن البيوت كما يقولون أسرار، ويعجبني تفاعلهم لفعل الخير.
23- كيف تقضون أوقات فراغكم في الوقت الحالي؟
ممارسة الرياضة، والقراءة المتنوعة، وزيارة الأهل والأقارب والأصدقاء.
24- لو عادت بكم الأيام لواء عبدالله ماذا تتمنون؟
الستر والعافية والتزود في الطاعات.
25- بصراحة..ما الذي يبكيكم في الوقت الحاضر؟
عندما استرجع ذكريات الماضي حارتنا القديمة، وأيامها الجميلة وخاصة ذكريات الوالد_ رحمه الله_
26- ماذا تحملون من طرف جميلة في دواخلكم؟
قصة الثلاثة الذين سرقوا ذهبا من قصر ووجدوا عند باب القصر حمارا فسرقوه أيضا، ووضعوا الذهب عليه وبعد ذلك دخلهم الطمع فاتفق اثنان على قتل الثالث حتى يتقاسما المال بينهما، ثم بعد ذلك دخل الطمع أحدهما فقتل صاحبه؛ ليستأثر بالمال وحده لكنه سقط ومات فما كان من الحمار إلا أن رجع بالمال إلى القصر وإلى أصحابه. والسؤال الذي يطرح نفسه من الذي أخبر بالقصة إذ مات أبطالها ولم يبق إلا الحمار..!؟
27- لواء. عبدالله لمن تقولون لن ننساكم؟
والدي_ يرحمه الله_ ووالدتي أطال الله في عمرها ومتعها بالصحة والعافية.
28- ولمن تقولون ما كان العشم منكم ؟
لمن أكل من خيرات هذا الوطن ولم يقدر ذلك.
29- لواء. عبدالله لكم تجربة أمنية كيف تصفونها؟
تجربتي الأمنية ذات طابع خاص وذات شرف عظيم حيث كانت في الحفاظ على أمن بيت الله الحرام، وخدمة ضيوفه الكرام طيلة واحد وثلاثين عاما.
30- التسامح والعفو من الصفات الإنسانية الراقية.. تقولون لمن سامحونا..وتقل لمن سامحناكم؟
نقول سامحونا لكل من أخطأنا في حقه، ونقول سامحناكم لكل من أخطأ في حقنا.
31- كلمة أخيرة في ختام لقاء ابن مكة لواء. عبدالله العصيمي.
أشكر صحيفة مكة الإلكترونية وأخص بالشكر الأستاذ عبدالرحمن الأحمدي على هذا اللقاء وأرجو أن أكون قد وفقت فيما ذكرته، وأدعو المولى عز وجل أن يرفع هذا الوباء عن بلاد المسلمين عاجلا غير آجل إنه على ذلك قدير، كما أدعوه سبحانه أن يديم على هذه البلاد المباركة أمنها واستقرارها ووحدتها، وأن يحفظ قائدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وأن يجزيهم عن الأمة الإسلامية خير الجزاء لقاء ما قدموه ويقدمونه للإسلام والمسلمين، وأن يجزيهم عن شعب المملكة والمقيمين على أرضها؛ لقاء موقفهم المشرف في مكافحة( فيروس كورونا ) وعلاج كل من أصيب به مجانا اللهم آمين.
وفقه الله في ايامه القادمه مثل هذا هم القدوه لشبابنا مزيد من الاستعراض لحياتهم العلميه ليستفيد منها اجيال الوطن