كنت فيما مضى من فترة الشباب الذي تغنى به الشعراء. أسمع أغنية بعنوان مقالي أعلاه يقول مطلعها: (كلمة ولو جبر خاطر وإلا سلام من بعيد)، ولكني حينها أترجم معانيها بما يخالج خاطري الفسيح الممتد إلى السراب البعيد، وما أستمتع به من انتفاضات شبابية مندفعة، وقد تكون متهورة، وربما ذلك هو المقصد لكاتبها ومغنيها دون أن أدخل بنواياهم.
لكن عندما تغير المفهوم لدي بفارق السن تتراجع المفاهيم فأصبحت أحاول أن أربط المعنى على الأقل بالشطر المستعار من مطلع الأغنية كعنوان لمقالي فأتخيل ما نعيشه اليوم من السلام نظر والسلام من بعيد، ومحاولة جبر الخواطر دون المساس حتى مع أقرب الناس، وقد دعاني التفكير أني أستعير مقطعًا آخر من ذات الفنان يقول:
(ماعلى الدنيا عتب)
ولاشك هناك تباين في المفاهيم وميل في تراجح كفات الموازين..
نعلم يقينًا أن شهر رمضان المبارك شهر مميز عن بقية الشهور في كل شيء؛ كونه ركنًا كاملًا من أركان الإسلام، ونتعايش فيه بتسامح وحب بدءًا من تكثيف الطاعات والعبادات التي تتميز فيه باستشعار الروحانية والجدية والمثابرة، ثم تتأصل في ذلك روح العطاء والسخاء، وتلمس احتياجات ذوي القربى والجيران بما تجود به نفوس أهل السعة لإخوانهم.
أما عن تبادل الزيارات للأهل والجيران وذوي القرب والسمر الحلال الذي يتوافق مع القيمة الكبرى لهذا الشهر العظيم فحدث ولا حرج…!!
إن ما نعيشه بواقعنا اليوم بشهرنا المبارك للعام الحالي ١٤٤١هجرية؛ فإنه شهر استثنائي عما سبقه من الشهور فلم يسبق أن تعايشنا مع مثل ظروفه المستثناة طيلة عمري الماضي الذي تجاوز الثلاثين وزد عليه مثله أو انقص قليلًا…!!
كما لم أسمع أن حصل مثل ذلك فيما سبق من حالة العزل في البيوت، وحتى في حضور الشعائر في المساجد التي كانت تتميز في رمضان بالنور الوضاء التام ليل نهار، وإحياء الصلوات فيها بروحانية يرتفع فيها معدل الشعور بمعنى العبادة والتقرب إلى الخالق والإلحاح في الطلب بما عنده من الخزائن التي لا تنضب..!
وبكل حسرة ولله الأمر من قبل ومن بعد؛ فإن ما مضى من شهرنا الحالي المتوافق زمنًا مع الفيروس الظالم الخفي، يشعرنا بالحزن الشديد حينما نتذكر أتنا كنا نحيي ليالي رمضان في أعوامنا السابقة بالاصطفاف بصفوف كبرى بمساجدنا التي نراها بقدوم شهر الخير، وقد تزينت، وتعطرت وتبخرب بأطيب الروائح في كل مدننا، وهجرنا فنرفع الأكف للمدبر تضرعًا، ونتشفع فيما عنده بضمير حي ودعاءً يسمع أركان كل قطر في بلادي العظيمة مهبط الوحي وفي بلاد الإسلام قاطبة.
مع فارق التشبيه حاليًّا مجتمعاتنا تمارس مثل ذلك في البيوت بأحجام أسرية مصغرة، ولكن على استحياء وخجل من الخالق في التقصير، وربما بالحزن لفقد المكان المعتاد لصلاة الجماعة، وفي غياب أصوات حناجر ذهبية أولئك الآئمة أهل أصوات مزامير آل داود أنها حناجر الصوت الشجي والحفظ الذكي؛
فضلًا عن غياب كبار السن فينا من نأنس بالاصطفاف بقربهم في المساجد بأنهم إخوان شفعاء ننهل من أنوارهم، ونتحسس رجاءهم، ونصطلي بدفئهم؛ لنشعر أن دعواتنا معهم بصوت واحد يكون لها عند الله شأن عظيم..!!
تمنيت أن اجيز بلعن َكورونا الفيروس الخفي أو أن أستطيع أن أساهم في وأده ليهلك وينقرض تمامًا، وبإذن الله يتحقق ذلك من خلال مواجهة العالم أجمع.
عندما اتذكر أعوامنا السابقة ألح بالدعاء أن تنقشع غمة الفايروس الخبيث؛ لنمارس حياتنا بطمأنينة، وحب للحياة ونقترب في حدود المتاح لنا من قبل.
رأيت في التلفاز مقطع فيديو لابن عمي عندما يكتفي بالسلام على ابنته الطبيبة (العنود العسيري) بالإشارة عن بعد والتي تعيش عزلة لممارستها المهنة العظيمة في التصدي لذلك الفايروس المتكرون
بخفية ذلك الشاحب الساحب للمقابر.
إنه يكابر في تحديه للإنسان العملاق بالنسبة له والضعيف جدًّا بالنسبة لخالقه.
المقطع بلاشك يقطع القلب، ولكن الشعور بالأسباب لا تنقص من ود الأهل والأحباب، وأقول لابن عمي أبو العنود لست وحدك المفارق في ظل الوجود كمن يموت عطشًا أمام البحر فابنتي الغالية وقطعة جوفي (إيمان العسيري) أيضًا تعمل في نفس المجال بصرح من صروح وزارة الصحة، وهي أيضًا تكتفي بالسلام لنا من بعد، وتعيش قهرًا حينما لا تقترب من ابنيها الصغيرين خشية أن تؤذيهما أو أي من ذوي القرب أو البعد، وهناك ببلدي المبارك ربما الآلاف ممن يعيش ذات الحال فلهم منا الدعاء بالعون والسداد..
ليس هذا فحسب حتى أمي الغالية العظيمة، كنت أتلذذ باحتضانها وممازحتها كل يوم، فأصبحت أكتفي بتقبيل كفيها كي لا أؤذيها.
إن الإيمان الحقيقي يحذونا فيه الأمل أن الفايروس القاتل محاصر، وأوشك على الرحيل بإذن الله وبدون عودة.
ولعل في الأمر خير وخيره.
عودتنا على إبداعك ومن تعود يضري لكن الضراة عليك ممتعة ولو ان من يقراء تعليقي لايفهم ماذا اقصد بكلمة منه لكن الأهم ان تفهم انت انك بقلوبنا دائما حفظك الله،،
محمد ابن دهيس
أستمر يا مبدع
ماشاء الله تبارك الله ابداع هائل لقد قرأت المقال اكثر من مره لشده اعجابي بما جاء فيه نتمى المزيد والمزيد من عطائك المميز لاعدمناك