عاش معظم أيام حياته في مكة المكرمة، رفض أن يفارقها عشقًا لها وبرًا بوالديه للعناية بهما، فأمضى حياته كلها يعمل بأمانة العاصمة المقدسة، وكان له دور بارز في الإشراف على نادي الوحدة؛ غير أن إصابة متعمدة حرمته من شرف اللعب مع الفريق.
إنه مروان دمنهوري، ضيف صحيفة “مكة” الإلكترونية في هذا اللقاء الرمضاني للحديث عن أبرز المحطات الهامة في حياته التي عاشها بمكة المكرمة منذ نشأته وحتى تقاعده، ثم عن نادي الوحدة والمشكلات التي تعيق من تصدره للدوري.
1- في البدء نتعرف على ابن مكة المكرمة؟
اسمي مروان محمد عبدالغني دمنهوري العمل أمانة العاصمة المقدسة، متقاعد حالياً، متزوج ولي أربعة أبناء ولدين وبنتين والحمد لله.
2- في أي حارة كانت نشأتكم م. مروان؟
في حارة القشاشية ومن ثم حارة شعب عامر(دحلة الجن)، وحاليا أسكن في حي العوالي.
3- أين تلقيتم تعليمكم؟
درست في الرحمانية الابتدائية، ثم عبدالله ابن الزبير المتوسطة، ثم الملك عبدالعزيز الثانوية، ثم المرحلة الجامعية بجامعة الملك فيصل في الدمام.
4- ماذا بقي في الذاكرة من أحداث عشتم معها عراقة الحارة؟
كنا نحن والجيران جميعاً أسرة واحدة، النساء دائماً مع بعضهن، البيوت كانت مفتوحة، والأبناء في الحارة مع بعضهم ألفة ومحبة كبيرة، وليالي شهر رمضان المبارك والعيد كان لها جو جميل وفعاليات حيث كانت تقام في الحارة لا تنسى من المناسبات وبمشاركة من جميع أهل الحارة، وأشياء كثيرة لا يسع المجال حصرها هنا.
5- في مرحلة الطفولة العديد من التطلعات المستقبلية.. ماذا كنتم تأملون حينها؟
كنت آمل في الحصول على الشهادة والوظيفة والزواج والأبناء ولله الحمد الله أكرمني. وكان همي خدمة والديّ والبقاء بجانبهما ورفضت جميع عروض الوظائف الخارجية بسبب ذلك.
6- تربية الأبناء في السابق بنيت على قواعد صلبة ومتينة..ماهي الأصول المتعارف عليها في ذلك الوقت؟
الإيمان، والأخلاق والمحافظة على القيم، والرجولة، والشهامة.
7- في تشكيل صفاتكم ساهمت الكثير من العادات والتقاليد المكية في تكوينها ما أبرزها؟
المحافظة على الواجبات الإسلامية، والأخلاق، والتعامل مع الناس وخدمتهم، وتحمل المسئولية، والتزود بالعلم والمعرفة.
8- الأمثال الشعبية القديمة لها أثر بالغ في النفس..ماهي الأمثال التي لازالت باقية في الذهن؟ ولماذا؟
الأمثال كثيرة وعلى سبيل المثال “الصديق وقت الضيق” وفيه يتجلي معنى الصداقة الحقيقية.
9- الحياة الوظيفية..أين كان لشخصكم القدير أول بداياتها؟ وآخرها؟
كما ذكرت كنت حريصا على البقاء بجانب والديّ _ رحمهما الله_ ولذلك كان كل عملي بأمانة العاصمة المقدسة فقط منذ البداية وحتى التقاعد.
10- شهر رمضان وشهر الحج من المواسم الدينية والاجتماعية المميزة حدثنا عنها؟
شهر رمضان في الحارة كان له طعم خاص.. كانت عندنا برحة في الحارة في هذه الليالي وكأنك في مدينة احتفالات ما بين ألعاب ومزمار وتجمعات، وكان الوالد _رحمه الله _ يأخذنا لصلاة العشاء والتراويح في الحرم وباقي الصلوات في المسجد.
وفي العيد كان الوالد يذهب؛ ليعيد على الأهل والجيران ونحن نستقبل الذين يأتون إلينا؛ ليعيدوا ونكتب أسماءهم في دفتر نسلمه للوالد لأجل أن يعرف الذين جاءوا.
وعملنا نحن في شهر الحج في الطوافة وعشنا أيام الطوافة قبل المؤسسات وتحديدا أيام السؤال عندما يختار الحاج المطوف الذي يرغب به وكانت بيوت حجاجنا جميعها أمام الحرم الشريف ويرفض الحجاج السكن في مناطق بعيدة عن الحرم.
وكانوا يحضروا معهم صناديق خشبية كبيرة بها أرزاق وبضائع كثيرة حيث كانوا يأتون عن طريق البحر، وكان السكن في مشعر عرفات في أماكن نختارها وننصب فيها الخيام، وكان كل جنس معروف مواقعه، وفي منى السكن في أحواش كبيرة بجوار الجمرات. هذه بعض الذكريات الجميلة ويحتاج سرد أحداث الحج إلى صفحات حيث أنه منذ وعينا على هذه الدنيا إلى الآن ونحن نمتهن هذه المهنة.
11- تغيرت أدوار العمد في الوقت الحاضر وأصبحت محددة..كيف كان سابقا دور العمدة في الحارة؟
العمدة كان يعتبر كبير الحارة ومن أبنائها، وكان له احترام كبير ولذلك كان الكل يعرفه حتى صغار السن، وكان هو المسؤول عن جميع شؤون أهل الحارة.
12- القامات الاجتماعية من تتذكرون منها والتي كان لها الحضور الملفت في الحارة؟
نعم، الشيخ صديق دمنهوري، والشيخ عباس دمنهوري كبار آل الدمنهوري، و العمد أحمد نصار ، محمود زيني، ومحمد علي عياد، والأخوان محمد نور ويوسف صباغ رحمهم الله جميعا.
13- هل تتذكرون موقفا شخصيا مؤثرا حصل لكم ولا تنسونه؟
كنا نلعب دوري في رمضان حارتنا مع حارة ثانية وأثناء اللعب دخل علي لاعب متعمد وأصابني في ركبتي وقامت بسببها مضاربة كبيرة وكانت هذه الإصابة سبب توقفي عن ممارسة معشوقتي الأولى كرة القدم.
14- المدرسة، والمعلم، والطالب ثلاثي مرتبط بالعديد من المواقف المختلفة.. هل تعرفونا على بعض منها؟
كان المعلم يعتبر في مقام الوالد، والأخ الأكبر ولا زالت لدي صداقات مع الكثير من مدرسي الثانوية. ومن المواقف التي أتذكرها كان الأستاذ سليمان الشبل مدير مدرسة الملك عبدالعزيز الثانوية _يرحمه الله _ عندما كان يقف أمام الممر (السيب) الطويل عند بداية الحصص مستحيل تشاهد طالب خارج الفصل..!
15- كثرت وسائل الإعلام في الوقت الحاضر وأصبحت مرافقة مع الناس في كل مكان.. ما هي الوسائل المتوفرة لديكم في السابق؟ وما أثرها على أفراد المجتمع آنذاك؟
كان التلفزيون، والراديو، والجرائد هي المتوفرة لدينا، وكان لها تأثير كبير؛ لحرص الناس على متابعتها والاهتمام بالقراءة والأخبار.
16- تظل للأفراح وقفات جميلة لا تنسى في الحارة.. ماذا تتذكرون من تلك اللحظات السعيدة؟ وكيف كانت؟
كانت تقام المناسبات في ساحة (برزة) تنصب في الحارة وكان يشارك جميع أهل الحارة في التجهيزات والعشاء ، وكانت تجتمع العوائل لمدة ثلاثة أيام في بيت الفرح، ويشاركهم نساء الحارة وكنا نعيش أجواء فرح كبيرة.
17- الأحزان في الحياة سنة ماضية.. كيف كان لأهل الحارة التخفيف من وقعها؟
أهل الميت كانوا لا يعملون أي شيء وكل ما يلزم من تجهيزات وعشاء وغذاء يقوم به الجيران وأهل الحارة.
18- الأحداث التاريخية الشهيرة في حياتكم والتي عايشتها.. هل تتذكرونها.. وما الأبرز من تفاصيلها؟
– دخول الشرذمة الضالة للحرم المكي الشريف، وحريق منى الكبير، ومحاولة الإيرانيين دخول ساحات الحرم المكي الشريف حيث كانت نقطة التجمع أمام حارتنا.
19- ما هي الألعاب الشعبية التي اشتهرت بها حارة القشاشية؟
المراجيح الخشبية، والمزمار، والدراجات، والكيرم، والضومنة.
20- لو كان الفقر رجلا لقتلته مقولة عظيمة لسيدنا علي رضي الله عنه..هل ترون بعضا من قصص الفقر المؤلمة ؟
عشنا الفقر ونحن صغار كنا نعيش مع الأعمام، والعمات في بيت واحد، وكنا ننام في السطح، وكنا نبل المناديل ونضعها على وجوهنا من شدة الحر، وكان الذهاب والعودة من المدرسة مشيا على الأقدام، والحمد لله كنا مسرورين وربي أكرمنا.
21 – ماذا تودون قوله لسكان الحارة القديمة؟
في هذه الفترة تبرع مجموعة من أبناء الحارة في عمل بعض اللقاءات، وكذلك عمل كتاب عن الحارة وسكانها، وتم عمل قروب لنا جميعاً. وأنتهز هذه الفرصة بأن أطلب منهم اللقاء الدائم وأن يكون هدف اللقاء ليس فقط؛ للاجتماع بل مساعدة المحتاج من الحارة، ومشاركة الأفراح والأحزان كما كنا زمان.
22- رسالة لأهالي الأحياء الجديدة.. وماذا يعجبكم الآن فيهم؟
افتقدنا الترابط القديم. أصبح الجار لا يعرف جاره وأرجو أن نعود كما كنا زمان. المتجاورون كلهم أسرة واحدة.
23- كيف تقضون أوقات فراغكم في الوقت الحالي؟
في القراءة، ومتابعة الأخبار، ومشاهدة المباريات، والتجمع في الفترة المسائية مع الأصحاب.
24- لو عادت بكم الأيام م. مروان ماذا تتمنون؟
تقبيل رأس ويد والديّ_رحمهما الله تعالى _
25- بصراحة.. ما الذي يبكيكم في الوقت الحاضر؟
التباعد الاجتماعي، الخلافات العائلية التي نسمع عنها، وسائل التواصل التي أخذت وقت الجميع.
26- ماذا تحملون من طرف جميلة في دواخلكم؟
جاءتني فترة كنت أشعر بخوف من ركوب الطائرات وكنت في رحلة عائلية مع أخي وذاهبين من تونس لمصر والطائرة صغيرة ثلاثة مقاعد في كل جانب وأنا وأخي على الممر بجانب بعض، والطائرة في الأرض كانت في مشكلة كل فترة يأتي المضيفون يعدون الركاب طبعاً أنا متوتر وماسك في الكرسي وأقرأ القرآن الكريم وأخي يقول أنت لماذا تعمل هكذا؟ لما هذا القلق؟ تخيف العائلة وأنا ما أرد وكل ما جاءوا يعدوا الركاب أزيد من خوفي وهو ينصحني فجأة قال قائد الطائرة على جميع ركاب الطائرة المغادرة فوراً ما رأيت إلا أخي من فوق المقاعد والركاب وأول واحد خرج من الطائرة وأنا من ذهولي وقفت أتفرج في أخي الذي كان ينصحني وأصبح أخوف مني..!
27- م. مروان لمن تقولون لن ننساكم؟
للوالدين، للأصدقاء الأعزاء الذين توفاهم الله تعالى.
28- ولمن تقولون ما كان العشم منكم ؟
للأشخاص الذين نسوا العشرة..!
29- م. مروان لكم تجربة رياضية بنادي الوحدة كيف تصفونها ؟
قضيت معظم حياتي في خدمة الوحدة في الإشراف على كرة القدم، وكرة السلة، وكرة اليد، وقبل ذلك في مدرج الوحدة وفي تجمعات محبي الوحدة. وأصف العمل بالصعب وخاصة المعاناة المادية التي واجهت كل من عمل بالنادي حيث عملت جميع الشرائح في النادي.
30- التسامح والعفو من الصفات الإنسانية الراقية.. تقولون لمن سامحونا؟ وتقولون لمن سامحناكم؟
لكل من أخطأنا معهم نقول سامحونا، ولكل من أخطأ في حقنا بقصد وبدون قصد سامحناكم.
31- كلمة أخيرة في ختام لقاء ابن مكة م. مروان دمنهوري.
أشكرك أخي عبدالرحمن على هذا اللقاء الذي أعاد إلى الكثير من الذكريات الجميلة. وحقيقة لدي الكثير من هذه الذكريات خشيت أن لايتسع المجال لذكرها واختصرت قدر الإمكان.
وفقك الله وسدد خطاك فيما تقدمه لمكة المكرمة ولنادي الوحدة. وكل عام والجميع.