في أحد الأيام كنت في جولة افتراضية في رحاب اليوتيوب، واطلعت على لقاء مطول لرجل الأعمال العالمي الدكتور طلال أبو غزالة (المؤسس والرئيس لمجموعة طلال أبو غزالة الدولية) يعرض فيه تفاصيل حياته الطويلة والمليئة بالمعاناة والكفاح، بدأها بمولده وطفولته وانتهى بي حديثه إلى أن بلغ سن الثمانين سنة، ثم لخص حياته أخيرًا في كلمة معبرة جدًّا قال: ” الحمد لله على المعاناة فلولاها لما كنت بعد الله ما أنا عليه اليوم”.
وهنا أود التركيز على ماذا استفدنا من أزمة كورونا (كوفيد- 19) وكيف وماذا تعلمنا من نعمة الحجر المنزلي؟ فلله الحمد منا من رجع لقراءة وحفظ القرآن الكريم، ومنا من أصبح يواظب على صلاة التراويح في رمضان كل ليلة، ومنا من تفرّغ لتعليم أولاده الصغار، وتعويدهم وترغيبهم في الصلاة، وصيام رمضان أو قراءة قصص، وكتب مفيدة.
كما تعلمنا من نعمة الحجر المنزلي الاعتماد على النفس؛ خصوصًا في الطبخ المنزلي، واكتشفنا طبخات جديدة أهمها الخبز والصامولي المنزلي. وكذلك تعلمنا إصلاح وصيانة الكهرباء والسباكة والحلاقة، وغسيل السيارة مع الاقتصاد في الماء، وتعلمنا الجلوس مع النفس لمحاسبتها في تقصير أو لقراءة كتاب نافع أو التواصل مع أقارب وأصدقاء انقطعنا عنهم، تعلمنا تقنيات وبرامج جديده، التحقنا بدورات تطويرية وتثقيفية عن بعد في مجالات متعددة، رجعنا لممارسة التمارين الرياضية، اتجهنا للأكل الصحي، وفّرنا لجزء من الأموال لم نكن نستطيع أن نوفرها لولا الله ثم نعمة الحجر المنزلي، تابعنا برامج وثائقية مفيدة، عرفنا بوضوح معنى الحرية التي ينشدها السجين، نعمة الحجر المنزلي علمتنا أن بعض المشاهير ليس لهم قيمة، وأن القيمة الحقيقية لأبطال هذه المرحلة الصعبة، وهم من الممارسين الصحيين ورجال الأمن، وتعلمنا أننا نستطيع إكمال أعمالنا وواجباتنا عن بعد، فهمنا معنى السعادة الحقيقية وأنها في المساجد ومع العائلة وصلة الأرحام، تعلّمنا أن العلاقة مع الله هي الأساس لكل نجاح وتعلمنا أن الوطن هو الحضن الدافئ، ورأينا كيف أن الإنسان هو أغلى شيء في بلدي، وتعلمنا أن حقوق الإنسان ليست شعارات بل هي مواقف، وتعلمنا أن الملك ليس حاكمًا فقط بل هو يكون والدًا عطوفًا أيضًا قبل كل شيء، تعلمنا وتعلمنا وتعلمنا … ويكفي أنّا تعلمنا الرجوع إلى الله بالحمد والشكر على نعمه التي ألفناها، ولم ننتبه لمسبّبها سبحانه.
” فالحمد لله على هذه المعاناة فلولاها لما استفدنا وتعلمنا هذه الأشياء الجميلة والمعاني الرائعة”.
أسأل الله أن يرفع عن بلادنا وبلاد المسلمين هذا الوباء عاجلًا غير آجل.