ما إن ظهر كورونا على وجه الأرض، وأخذ يعطل كل مقومات الحياة حتى عزلنا في منازلنا، ومنعنا عن مصافحة بعضنا وعن احتضان أطفالنا.
وعلى كل حال، ومهما بلغ بنا حجم العناء والألم والفقد فهذا في نظرتنا القاصرة كبشر هو شر وبلاء ومصيبة، ولكنه عند العالم بدقائق أحوالنا ومدبر أمورنا هو خير لنا؛ خاصة نحن كأمة إسلامية، كيف لا يكون كذلك وقد صح عن الحبيب صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له). فليس أمامنا إلا التسليم بالقضاء، والصبر، والدعاء.
ومع غرق العالم في هذه الجائحة فالخلاف فيها قائم بين البشرية، وكلٍ عبر عن رأيه عالم وجاهل جماعات وأفراد مابين قائل: بأنها حرب بيولوجية أو اقتصادية وآخر يراها حرب إلهية سببها ذنوب ومعاصي البشرية، ومهما يكون الخلاف فالبقاء في المنازل هو المفر منها.
وهذا ليس بمستغرب على الإنسان، والاختلاف في بعض المسائل كما يقول الفقهاء ليس له ثمرة، ولكن هناك فئات تعاملت مع كورونا بطريقة مختلفة عن سائر الناس، وعبّرت عن رأيها بأساليبها وطباعها.
فأول هذه الفئات فئة تتعجب لأمرها، وهم من ناشري النكت والسخرية والشائعات؛ وكأننا مع كورونا نشاهد فيلمًا كرتونيًا أو أحداث مسلسل كوميدي فهؤلاء زللهم مغفور وأمرهم سهل، ويكفيهم أن نذكرهم بأن الله لم يبتلينا لنشاهد إبداعكم في نشر الشائعات وصياغة النكت. ونذكرهم بقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ).
والفئة الثانية وهم من مستغلي حاجات الناس فليس لهم هدف إلا جمع الأموال بأي طريقة ويعتبرون ذلك دهاءً وسمسرة وشطارة، وأن فعلهم هذا اقتناص للفرص كالذئب يأخذ اللقمة من فم الأسد، ولكن الحقيقة أنهم لا يعرفون من الإنسانية الا اسمها ومن الرحمة إلاّ ظاهرها، وقد تكفل بهم النظام وأدبهم، لا بارك الله لهم.
أما الثالثة وهم الأخطر علينا من كورونا، فكورونا مرض وابتلاء من الله، بل إن كورونا وحدت كل دول العالم لتسخير كل مواردها الطبية والاقتصادية والبشرية للبحث عن النجاة من خطرها، وماقدمته المملكة من جهود أشادت به منظمة الصحة العالمية؛ حيث غرد بذلك المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، قائلاً: “أعبر عن امتناني الشديد لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والشعب السعودي لتقديمهم دعمًا ماليًّا قدره 10 ملايين دولار أمريكي لمنظمة الصحة العالمية لاتخاذ التدابير العاجلة للحد من انتشار فيروس #COVID2019 ودعم البلدان ذات الأنظمة الصحية الضعيفة”. إلا أن هذه الشرذمة القليلة امتلأت قلوبهم حقدًا وحسدًا على هذه البلاد، وعلى ما يرونه من تلاحم بين القيادة والشعب، فأصبح ليس لها همٌ ولا هدف إلاّ تضليل الناس بالانتقاص من جهود المملكة فمع كل قرار أو كلمة لمسؤول أو وزير إلّا ونهضوا إلى معرفاتهم الوهمية وحيلهم التقنية لفبركة المقاطع ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي؛ وكأن هذا الجائحة صناعة سعودية أو كأننا نحن المتضررون منها فقط.
فمثل هؤلاء اجعل بينك وبينهم مسافة، وتحصن من أفكارهم بالعلم الشرعي والعقيدة الصحيحة المستمدة من الكتاب والسنة.
همزة وصل
يقول الله تعالى: (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)، فالعقوق حسرة في الدنيا، وخسارة في الآخرة.