أهلا بكم قراءنا الكرام في حلقة جديدة من يوميات رمضان التي تأخذكم فيها صحيفة “مكة” الإلكترونية مع ضيوف أعزاء من وجهاء وأعيان مكة المكرمة للتعرف على القيم والعادات الأصيلة ونعود معًا إلى الماضي الجميل والذكريات المؤنسة والقيم التي تربينا عليها وغرسها فينا آباؤنا وأجدادنا.
وفي هذا اللقاء نتحاور مع شخصية عاشت في مكة المكرمة وتقلّدت العديد من المناصب فيها، لاسيما في أمانة العاصمة المقدسة فكان لها بصمة في كل موقع ومكان، وحضور في كل وقت وزمان:
في البدء نتعرف على ابن مكة؟
بداية أتقدم بالشكر الجزيل لصحيفة مكة الإلكترونية لإتاحة الفرصة للتحدث عن الحارة المكية والعلاقات الاجتماعية فيها، واسمي سمير بن صالح بن سليمان أبوغلية من عائلة مكية تشتهر بمهنة الزمازمة حيث كان جدي سليمان أبوغلية، ووالدي من بعده صالح أبوغلية شيوخ لطائفة الزمازمة كما كانت تسمى من قبل، ثم أصبح والدي صالح أبوغلية أول رئيس لمكتب الزمازمة الموحد كما أن أخي سليمان أبوغلية كان رئيسا لمكتب الزمازمة الموحد سابقا.
2- في أي حارة كان نشأتكم م. سمير؟
كان مولدي كان عام 1374هـ بحارة القشاشية الملاصقة للحرم المكي الشريف من الناحية الشرقية علي سفح جبل أبي قبيس وكانت السكة الجنوبية للدار مسماه باسم طلعة أبو غليه وتؤدي إلى مسجد سيدنا بلال بن رباح ثم انتقلنا في نهاية السبعينات من العام الهجري إلى حارة جرول (البيبان) شارع نادي الوحدة الرياضي حيث نشأت وتربيت فيه وكان وقتها من الأحياء الجديدة البعيدة عن الحرم المكي الشريف.
3- أين تلقيتم تعليمكم؟
تعليمي بالمرحلة الابتدائية كان بالمدرسة النموذجية بأجياد عام 1380هـ وأذكر أن مديرها في ذلك الوقت المرحوم الأستاذ حسن زمزمي ووكيله المرحوم الأستاذ عبدالمجيد عبيد، أما المرحلة المتوسطة و مديرها في ذلك الوقت الأستاذ زاهد قدسي ومن أساتذتها الأستاذ محمد صالح ألطف والأستاذ أحمد محمد نور سيف والأستاذ عبدالله باحاوى، أما المرحلة الثانوية فكانت في مدرسه العزيزية الثانوية وكان مديرها المرحوم الأستاذ محمد سليمان الشبل، ومن أساتذتها الأستاذ فؤاد سندي والأستاذ عبدالله بخاري والأستاذ صالح محجوب والأستاذ عبدالله يماني رحم الله الأموات منهم، وأطال الله في عمر الأحياء، ثم أكملت دراستي الجامعية بجامعة القاهرة وتخرجت من كليه الهندسة عام 1397هـ ، بعدها تحصلت على الماجستير من جامعة هاورد بواشنطن عام 1409هـ.
4- ماذا بقي في الذاكرة من أحداث عشتم معها عراقة الحارة؟
الحارة المكية لها نكهة خاصة حيث تتقارب الدور وتتلاصق مع بعضها البعض وأزقتها صغيرة ومتشابكة مما يجعل الساكنين فيها متقاربين وكأنهم أسرة واحدة يتكاتفون في السراء والضراء ويحترم صغيرهم كبيرهم ويسمح الفرد فيهم بالبناء لغيره في الدور العلوي لداره دون مقابل ..!
5- في مرحلة الطفولة العديد من التطلعات المستقبلية.. ماذا كنتم تأملون حينها؟
في مرحلة الطفولة تكون الأفكار مشتتة ولكن كنت أتطلع أن أخدم مكة المكرمة في أي مجال وهداني الله إلى الدخول لكلية الهندسة وخدمة وطني في هذا المجال.
6- تربية الأبناء في السابق بنيت على قواعد صلبة ومتينة.. ما هي الأصول المتعارف عليها في ذلك الوقت؟
رحم الله والدي ووالدتي كما ربياني صغيراً حيث كانت تربيتهم تحثنا دائما على الأصول الإسلامية وبأن الدين المعاملة فالصدق والأمانة في التعامل كانت أساسية في جميع التعاملات. وأذكر أثناء تواجدي بحارة القشاشية (دار العجيمي) حيث كان والدي يذهب بي وإخواني يوميا لنتعلم فيه حفظ القرآن الكريم.
7- في تشكيل صفاتكم ساهمت الكثير من العادات والتقاليد المكية في تكوينها ما أبرزها؟
من أبرز العادات والتقاليد المكية احترام الصغير للكبير، واعتبار الكبير كأب في التعامل معه، كما يتمتع أهل الحارة بالشهامة والرجولة.
8- الأمثال الشعبية القديمة لها أثر بالغ في النفس.. ما هي الأمثال التي لا زالت باقية في الذهن؟ ولماذا؟
بعض الأمثال التي كان لها الأثر البالغ (لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد) وهذا تجد ثمرته تتحقق في حال تأجيل أو تأخير أي عمل وكذلك المثل (مد رجلك على قد لحافك) و هذا يتجلى دائماً عندما ينظر الشخص لغيره فيتسبب له بمشاكل و ديون.
9- الحياة الوظيفية.. أين كان لشخصكم القدير أول بداياتها؟ وآخرها؟
بداية عملي الوظيفي كان مهندس بإدارة المشاريع بأمانة العاصمة المقدسة عام 11/ 1397 هــ، ثم مديراً لإدارة المشاريع عام 1401 هــ، ورئيساً لبلدية العزيزية الفرعية عام 12/ 1402هــ، وفي عام 1415 مديراً عاماً للدراسات والإشراف، ونائبا لوكيل أمين العاصمة المقدسة للتعمير والمشاريع اعتبارا من 1420هــ وحتى تقاعدي المبكر في نهاية عام 1423هــ.
10- شهر رمضان وشهر الحج من المواسم الدينية والاجتماعية المميزة حدثنا عنها؟
شهر رمضان من الأشهر المميزة؛ لكونه شهر العبادات والطاعات والتراويح، ويسبقه ما يسمى بالشعبنة حيث يجتمع أهل الحارة؛ للتهاني بالشهر الكريم، والتصافي، والتسامح فيما بينهم وكان يطلق مدفع رمضان؛ إيذانا بدخول الشهر الكريم كما يطلق المدفع عند غروب الشمس؛ للإفطار، أو الإمساك قبل الفجر.
وفي رمضان تجتمع العائلة على مائدة الإفطار وفيه يتم تقديم مأكولات معينة يتم عملها في هذا الشهر مثل السمبوسك، والشوربة، والفول، والحلويات مثل المهلبية، والدبيازه (والططلى)، وغيرها ويقوم أولاد الحارة بالتجمع ولعب ألعاب مختلفة مثل لعبة المدوان، والبرجون، والكبوش، وفي حارة جرول كانت كرة القدم حيث كان نادي الوحدة الرياضي ملاصقا لدارنا.
ويلي شهر رمضان عيد الفطر المبارك حيث كان الوالد والوالدة – رحمهما الله – يحرصون على ضرورة ارتداء الملابس الجديدة والذهاب إلى الحرم؛ لأداء صلاة المشهد أما شهر الحج فكنا نحرص بالحج سنوياً حيث كنا نقوم بنصب الخيام التي يتم الحج فيها ونتوجه بالسيارة الخاصة إلى الخيمة المعدة للحج.
وشهر الحج من الأشهر المميزة لعائلتنا حيث أن فيه خدمة حجاج بيت الله الحرام بسقيا ماء زمزم وكان الوالد – رحمة الله عليه – يستعد بتجهيز الدوارق التي يعبأ فيها ماء زمزم ويقوم بتوزيعه على الحجاج بواسطة عمال مساعدين له. وكان لكل زمزمي مكان مخصص على الحصوة أمام الكعبة المشرفة. وكانت هناك خلاوي في دور البدروم للمسجد الحرام موزعة على الزمازمة؛ لتجميع الدوارق.
11- تغيرت أدوار العمدة في الوقت الحاضر وأصبحت محددة.. كيف كان دورة العمدة في الحارة؟
العمدة سابقاً كان له دور كبير في جميع ما يحتاجه أهل الحارة إضافة لذلك فهو يعتبر والد الجميع. يقوم بحل المشاكل و يصلح ذات البين وأذكر عمدة القشاشية المرحوم أحمد سعيد نصار.
12- القامات الاجتماعية من تتذكرون منها والتي كان لها الحضور الملفت في الحارة؟
بالنسبة لحارة القشاشية كان جدي شيخ طائفة الزمازمة ومن بعده والدي لديهم مكتب في نفس الدار؛ لإدارة طائفة الزمازمة وديوان يجمع فيه الزمازمة وأذكر منهم الشيخ محمود بيطار، والشيخ عبدالغني شاولي، والشيخ حسن جندي، والشيخ علي عالم، والشيخ حسن مطر، والشيخ محمد هنيدى.
ومن العوائل التي سكنت حارة القشاشية عائلة مراد، والدمنهوري، وزيني، والراوة، وقاروت، وقاروت، وطاسين، والأشعري والشاولي.
أما حارة جرول (البيبان) شارع نادي الوحدة فكان يسكن الحارة عائلة الأستاذ محمد حسين زيدان الكاتب المعروف، وعائلة طيبة، و الكابلي، والحويت، وعابد، والطيب، والنتو، والفضل والكاتب المعروف حامد عباس وكان أحد لاعبي نادي الوحدة.
13- هل تتذكرون موقفًا شخصيًا حصل لكم ولا تنسونه؟
الموقف الشخصي الذي أثر فيّ كثيراً عندما كنت في سن العاشرة توفت جدتي والدة أبي حينها شعرت بحزن شديد؛ لفقدها حيث كانت تسكن معنا في نفس المنزل وأثر علي كذلك حزن أبي الشديد عليها.
14- المدرسة والمعلم والطالب ثلاثي مرتبط بالعديد من المواقف المختلفة.. هل تعرفونا على بعض منها؟
المدرسة والمعلم هما المربي المثالي للطالب بعد أسرته. وفيها تصقل شخصية الطالب والحمدلله أن جميع المراحل التي مرت بي كانت المدرسة والمعلم لهما الدور الأكبر في ذلك وأخص هنا مدير المدرسة العزيزية الثانوية الأستاذ محمد سليمان الشبل رحمه الله وكانت مدرسة مميزة من ناحية التصميم وكذلك الفصول الدراسية والملاعب الرياضية وكان المعلمين فيها من المميزين.
15 – كثرت وسائل الإعلام في الوقت الحاضر وأصبحت مرافقة مع الناس في كل مكان.. ما هي الوسائل المتوفرة لديكم في السابق؟ وما أثرها على أفراد المجتمع آنذاك؟
– لم يكن متوفراً تلك الفترة سوى الراديو، ثم من بعده التلفزيون وكانت هناك برامج متعددة في الراديو منها: الأخبار وأذكر أن هناك مسلسلات يومية وبرامج إذاعية خاصة في شهر رمضان المبارك يتم سماعها في الراديو، ثم ظهر التلفزيون وبرامجه أيضا تشمل على الأخبار وعلى المسلسلات التي تشمل على قصص من الحياة، و كذلك برامج ثقافية، وتعليمية، ومسابقات وتأثيرها كان جيداً على أفراد المجتمع من حيث الثقافة والمتعة.
16- تظل للأفراح وقفات جميلة لا تنسى في الحارة.. ماذا تتذكرون من تلك اللحظات السعيدة؟ وكيف كانت؟
الأفراح كانت بسيطة وميسرة وبأقل التكاليف كما هي الحياة في تلك الفترة.. فالجار يستعين بجاره سواء باستعمال جزء من داره سواء الفناء أو السطح. وأذكر أن الأفراح كانت تستمر لمدة ثلاثة أيام حيث يأتي الأقارب ويشاركون أهل الفرح فرحتهم وبقاءهم معهم في نفس الدار وكان التكافل الاجتماعي يتجلى في هذه المواقف بعادة الرفد حيث يقوم الأهل والأقارب والجيران بمعاونة أصحاب الفرح في تقديم المأكولات كهدايا.
17- الأحزان في الحياة سنة ماضية.. كيف كان لأهل الحارة التخفيف من وقعها؟
التكافل الاجتماعي في الحارة يظهر في السراء والضراء فأهل الحارة يعتبرون كأسرة واحدة يقف الواحد فيهم مع جيرانه ويواسيهم عند أحزانهم كما يسعد معهم في أفراحهم.
18- الأحداث التاريخية الشهيرة في حياتكم والتي عايشتموها هل تتذكرونها؟ وما الأبرز من تفاصيلها؟
الحدث الأول كان حرب يونيو 1967م حيث كنا نسمع الأحداث المؤلمة من الراديو وكنت وقتها في المرحلة المتوسطة، ثم بعد ذلك حرب أكتوبر 1973م وقد عايشتها وأنا أدرس في جامعة القاهرة و كيف كان لوقوف المملكة العربية السعودية وكان وقتها الملك فيصل بن عبدالعزيز – يرحمه الله – حيث استعمل النفط وقام بالضغط على أمريكا وكان له الأثر الطيب في الضغط على العدو، والحدث الثالث احتلال الحرم المكي الشريف عام 1401هجرية من الفئة الباغية جهيمان وأعوانه وكنت أعمل بأمانة العاصمة المقدسة بإدارة المشاريع، والحدث الرابع غزو الكويت عام 1411هجرية و كنت وقتها رئيسا لبلدية العزيزية الفرعية وكانت توجيهات معالي أمين العاصمة المقدسة وقتها م. عمر قاضي بضرورة التناوب والتواجد طيلة الأربع والعشرون ساعة؛ لأي ظرف قد يحدث ويحتاج تواجد الجميع.
19- ما هي الألعاب الشعبية التي اشتهرت بها حارتكم؟
حقيقة تواجدي بحارة القشاشية كان في مرحلة الصغر لكن حسب ما علمت وسمعت أن حارة القشاشية كانت تشتهر بما يسمى الجوك وهو لون من ألوان الغناء الشعبي الحجازي الذي تميزوا به عن باقي الحارات.
20- لو كان الفقر رجلا لقتلته مقولة عظيمة لسيدنا علي رضي الله عنه.. هل تروون بعضا من قصص الفقر المؤلمة؟
هي فعلا مقولة عظيمة لسيدنا علي – رضي الله عنه – وتتعدد قصص الفقر المؤلمة وخاصة ممن لا يسألون الناس إلحافاً وتراهم كأنهم غير محتاجين وفي حقيقة الأمر تجدهم أكثر الناس حاجة؛ لظروفهم الصعبة لا يستطيع الفرد منهم تأمين ضروريات الحياة كالغذاء واللبس والدواء.
21- ماذا تودون قوله لسكان الحارة القديمة؟
أقول لهم شكراً لكم لبساطتكم، وتكافلكم، وتراحمكم، وصبركم في وقت لم تتوفر فيه الإمكانيات الموجودة حاليا.
22- رسالة لأهالي الأحياء الجديدة.. وماذا يعجبكم الآن فيهم؟
أقول لهم إن الإمكانيات المتوفرة حالياً لم تكن متوفرة قديماً فحافظوا عليها. ويعجبني فيهم تمسكهم بتراثهم المكي وترابطهم باجتماعات شهرية لأبناء الحي الواحد للتعرف على بعضهم البعض.
23- كيف تقضون أوقات فراغكم في الوقت الحالي؟
الوقت حقيقة مقسم إلى وقت للعمل، ووقت للعبادة، ووقت للتواصل ووقت للرياضة.
24- لو عادت بكم الأيام ماذا ترجون م. سمير؟
ما رجوته سابقاً وهو خدمة مكة المكرمة وأحمد الله أن هذه الأمنية تحققت.
25- بصراحة ما الذي يبكيكم في الوقت الحاضر؟
عدم الصدق في القول، والعمل، وخيانة الأمانة.
26- ماذا تحملون من طرف جميلة في دواخلكم؟
المواقف الطريفة متعددة ولكن أذكر موقف حدث أثناء دراستي بالقاهرة مع أخي سليمان وبعض الزملاء حيث قمنا بحجز في أحد الحفلات الغنائية بسعر خمس جنيهات للفرد وعند حضورنا ألغيت الحفلة وقالوا لنا تستردوا القيمة من مكان آخر بعيد ولكي نسترد المبالغ خسرنا أكثر من نصفها في المشاوير.
27- م. سمير لمن تقولون لن ننساكم؟
أقول لوالدي ووالدتي – يرحمهما الله – ومن تعلمت على أيديهم في جميع المراحل الدراسية وممن تعلمت منهم في فتره العمل لن أنساكم وسأظل أذكركم بالخير.
28- ولمن تقولون ما كان العشم منكم؟
أقول ذلك لكل من خان الأمانة الموكلة إليه.
29- م. سمير لكم تجربة إدارية في أمانة العاصمة المقدسة كيف تصفونها؟
تجربتي الإدارية كانت مميزة جداً حيث أتيحت لي الفرصة أن أعاصر ستة من أمناء العاصمة المقدسة كل منهم مدرسه مختلفة وهم : م. عبدالقادر كوشك، و أ. عبدالله بن صديق، وم. فؤاد توفيق، وم. عمر قاضي، و م. فؤاد غزالي، و د. خالد نحاس. ولا أنسى زملائي م. أنور أزهر، و م. فهمي نقشبندي حيث كانت تجربة إدارية مميزة معهم جميعا.
30- التسامح والعفو من الصفات الإنسانية الراقية.. تقولون لمن سامحونا؟ وتقولون لمن سامحناكم؟
أقول سامحني لكل شخص أخطأت بحقه بقصد أو بدون قصد، وأنا بدوري سأسامح الجميع وكل من أساء لي.
31- كلمة أخيرة في ختام لقاء ابن مكة م. سمير أبو غليه؟
وفي الختام أكرر شكري وتقديري لصحيفة مكة الإلكترونية. وأرجو من المولى عز وجل أن يوفق جميع العاملين بمكة المكرمة؛ للوصول بأم القرى إلى المكانة التي تليق بها كقبلة للمسلمين بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله.