التغيّر الاجتماعي كما هو معلوم مستمر في حياة المجتمعات الإنسانية؛ وذلك بسبب تأثير العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها، والتغيّر في الغالب يكون بطيئًا ومع ظهور بعض التقنيات الصناعية والاكتشافات العلمية، والانفتاح العالمي ونحو ذلك؛ فإنه يتسارع إلى حدٍ ما ويؤدي إلى تغيير نمط العادات والتقاليد التي اعتاد عليها المجتمع من قبل، فما كان في السابق مرفوضًا يصبح اليوم مألوفًا، ونستطيع أن نضرب مثالًا بأشكال الملابس الرجالية والنسائية، فتبعًا للمستجدات تتغير المفاهيم والأفكار والوسائل والأدوات
.
وهناك مصادر تساهم في إحداث التغيّر سواء الداخلية نتيجة الوعي الفكري والثقافي الذي يحركه بعض الأفراد داخل المجتمع؛ خاصة إذا صاحبتها رغبة ممنهجة من بعض الجهات بالعمل على تخطيط مشاريع تهدف إلى تطبيق التغيير، ومثال ذلك تصميم الحدائق والمتنزهات والأسواق الذي أدى إلى ثقافة مختلفة، وكذلك وجود كاميرات الرصد المروري التي ساهمت في تغيير عادات قائدي المركبات، وكذلك من الراكبين التي لم تكن تعبأ بربط حزام الأمان بما يعرضها للأخطار، ويحدث التغيّر أيضًا بتأثير البعثات الدراسية والاحتكاك بمجتمعات أخرى ونقل بعض ثقافاتها؛ حيث يرى ابن خلدون بأن التغيّرات الاجتماعية تعتمد بشكل مباشر على مجموعة الظواهر المستمرة، والتي تشمل كافة نواحي الحياة الإنسانية.
وما نراه اليوم ونحن تحت وطأة جائحة كورونا بأنها ستعمل على تغيير سريع يقود إلى التغير الاجتماعي في بعض العادات لدى شرائح كثيرة في المجتمع، ومن ذلك المعانقة والتقبيل وحب الخشوم في التحية، والتي ثبت أنها تمثل أحد أهم أسباب العدوى والانتقال السريع للأمراض الوبائية وغير الوبائية، وهي من العادات غير المستحبة لاسيما وأن قلة يتبادلون التحية بتقبيل الشفاه للأطفال أو الكبار! وإن كان هناك من يستقبح هذه الطريقة، ويرون بأنها من العادات التي يجب استئصالها؛ لأنها تعود بالضرر ففيها مفاتيح الأمراض.
الأمر الآخر هو ما اعتاد عليه مجتمعنا من عادة إكرام الضيوف وذبح الخراف، وتقديم المفطحات ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يصل إلى أن يجامل بعض الحاضرين بعضهم بتقطيع اللحم بأيديهم التي تصل إلى أفواههم كل مرة بما قد يلتصق بها من اللعاب! وأعلم أن كثيرين لا يستسيغون هذا الشيء، ويعتبرونه فعلًا مقززًا إلّا أنهم قد يأكلون ما يقدم لهم -باشمئزاز- بعد القسم عليهم بالأيمان والطلاق. وإن كان هناك من كان يرفض ذلك مرددين المثل الشعبي: (كل طير يشبعه مخلابه)، وزد على ذلك ما كان يقوم به البعض بصب السمن فوق يد الضيف على الأكل. وهذه العادات غير مقبولة إطلاقًا، ومن المطلوب القضاء عليها بالامتناع من فعلها، والأجمل الابتعاد عن عادات البذخ، وتقديم الذبائح دون تقطيعها ونهايتها في المرامي مع الأسف. فكورونا وغيره من الأوبئة تتربص بكل المتهاونين.
وإذا كانت الإرشادات تدعو إلى غسل الأيادي وتنظيفها؛ لأن ذلك من أول خطوات الحماية فهناك الكثيرون يصافحون العشرات أو حتى المئات ثم يقبلون على الموائد مباشرة. وربما جاء كورونا ليعلمنا مرة أخرى أمور النظافة والوقاية والتعامل الصحيح؛ وليعلم البشرية كذلك أن دين الإسلام هو دين النظافة والطهارة الذي حرّم أكل الخنازير وكل ذي مخلب وناب التي اتضح بأنها من أسباب انتقال بعض الأمراض من الحيوان إلى الإنسان والشواهد واضحة، ولا تحتاج إلى دليل.
أصبت أستاذ عبدالناصر الكرت، فنحن بحاجة إلى هزة قوية تساهم في إحداث تغيير في بعض عاداتنا الاجتماعية السيئة، إلى عادات وتعاملات حسنة وإيجابية وصحية، و ذلك بالعودة لآداب ديننا الإسلامي ( الكتاب والسنة)،