منذ أن خلق الله الإنسان وهو كل يوم في شأن، بما توصل إليه من العلم والتطور ذلّل كل عقبة وتجاوز الصعاب، فاتخذ نفقًا في الأرض وسلمًا إلى السماء، وقرب ما بين المشرق والمغرب آخذًا بالأسباب، وانتقل بعقله وعلمه والاكتساب .. بثورة صناعية وتقنية وحضارية إلى تطور لم يكن بالحسبان ..
عاش في الأرض وعرف أغوارها، وخاض غمارها، وجاب سهولها وقِفَارِها، ونزل بطاح الأودية واعتلى نجادها، وفاز في مضمارها، واستغنى عن السير بالقدم بوسائل النقل والخدم، سكن الخيام والقصور وناطحات السحاب أقامها من عدم، وضع المقاييس وأرسى الحساب وأبدع في تحديد الهوية والأنساب، فبرع في نظرية النسبية، والفلك والجاذبية، وحدد مواقع النجوم والكواكب، وأبعاد أشعة الشمس عن المناكب، ووصل الفضاء وظن أن لن يغلبه القضاء، نقب في باطن الأرض وظاهرها، وسلب منها كنوزها وذخائرها، وشق عباب البحار على دُسر بين اكتشاف وسفر، أبدع في نقل الأخبار السّار منها والضّار، وافتخر بالابتكار ووضع القوانين للخواص وبدل بين ظواهر الحواس، الظاهر منها والباطن بالمهارة والمراس ..
فعرف طبائع النفوس والمدارك والعقول ومايدور فيها وما يجوس، وألف فيها كتب الفلسفة والدروس، حتى كاد يسمع المضغة في الأرحام، ودبيب النمل في الأوجام ..!
ارتحل .. وتمدن .. واكتشف .. وتطور وتحضر .. وما ترك باب من أبواب العلم إلاّ طرقه وفتحه وأغلقه، إلا باب الغيب حجبه الله عنه، وأعجزه بـ “شبح كورونا” وأرهقه ..
فأصبح يتلقى أنباء التبشير والتنفير والاعتدال بالوصف والابتذال لـ”كورونا ” في كل الأحوال، عند المبشرين ملكًا رحيمًا، والمنفرين شيطانًا رجيمًا، والمعتدلين غيمة تلبدت بالسواد، ستفرقها عما قريب دعوات العباد…!
ورغم ضبابية “شبح كورونا” الكئيب، عند المتأمل في الغد الآتي القريب، وقد استشرى وانتشر، وأذهل عقول البشر، وأودع الأموات في اللحود، وأملهم بالله أن يكون عدم ليس لها وجود..!
وقف الباحث .. والعالم .. والطبيب وقفة الحائر المتعوس، عاجزًا أمام الفيروس، بين التجارب والطقوس، واستنفذوا كل أدوار الكفاح، دون جدوى في إيجاد اللقاح؛ ليظل من غيب العلم المجهول، وأخفقوا في إيجاد الدواء والحلول.
ليقدم “شبح كورونا “تجربة في إعادة التفكير للكبير والصغير، في فلسفة الحياة والأوطان، وفلسفة الزمان والمكان، وفلسفة العيش في أمان، وفلسفة الادخار والائتمان ..!!
وبين الواقع والمأمول، في مواجهة “شبح كورونا” والمصير المجهول، فالكل عن مصيره مسؤول، وعلينا أن نعي الدرس والاختبار، من البلاء باعتبار، وعلينا أن نتحرر من الانتظار، ونصنع لحظات السعادة ونتخلص من قيود اليأس والاحتضار ..!
بداية موفقه استاذ جمعان واضافة مميزة لصحيفة مكة