المقالات

صنع في وطني

أثرت جائحة كورونا COVID-19 على إحداث التغييرات ليس فقط في الأوضاع الصحية، لكنه تعداها فأحدث التغييرات في الاقتصاد وفي معدلات الإنفاق المالي والدخل العام، وهذا المتوقع عند حلول الجوائح التي ما إن تقع فهي تقلب الموازين، وتحدث التغييرات في المجتمعات، وقد يكون لصالح تقوية ما ضعف في بعض القطاعات. فالطاعون على سبيل المثال أدى الى تطوير قطاع الزراعة، ودفع نحو دور أكبر للمرأة بسبب تراجع الأيدي العاملة المتوفرة. كما أنه مهّد إلى قيام الثورة الصناعية للاستخدام الأوسع للفحم الحجري كمصدر للطاقة. ومما أراه الآن أن جائحة كورونا أتت لتخبرنا بضرورة الإسراع في تطبيق استراتيجيات رؤية 2030 وأن تلك الرؤية مباركة و موفقة بإذن الله.

فلما أطل علينا وزير المالية، وأشار بأن العالم لن يعود كما كان من قبل الأزمة فهي حقيقة؛ لكننا غير، نحن دولة حزم وجد وعزم وقوة وصبر متمسكين بكتاب الله وسنه، وحاملين معنا رؤية ثاقبة ومتميزة وبها قادرون بإذن الله أن نتجاوز تلك الأزمة، وأن نعود أفضل مما كنا فإذا ما درسنا الأوضاع لعلمنا أن تقليل الإنفاق يعني التقليل من الإنفاق على الصادرات من الخارج، واستبدالها بالمنتج المحلي الوطني، والاستفادة من المواد الخام الموجودة في البلاد؛ وبالأخص التي قل سعر بيعها للخارج. فهل نحن كمواطنين مستعدين ؟؟

إن وُضعت الخطط والاستراتيجيات لتقليل الإنفاق على ما يُستورد من الخارج ثم طالت الأزمة؛ فإننا سنعاني من قلة السلع المستوردة من الخارج وقد لا تتواجد سلع بديلة فهل من الممكن لنا الصمود ؟؟ أتمنى أنه هو هذا المؤلم المقصود !! وماهي البدائل المتاحة المحلية وهل هي بوفرة تكفينا أم أنها في ندره تثيرنا فيتحول فينا المؤلم إلى ملهِم ؟؟

إن استطعنا أو ما استطعنا، وإن طال الأمد علينا البدء من الآن في تكثيف الإنتاج المحلي، واستغلال الموارد الطبيعية الموجودة في البلاد فليس في بقائها في مكانها أو في تصديرها للخارج في هذا الوقت من مكسبٍ يُؤخذ، ومن أمثلتها ما تصدره سابك للعالم من مواد خام.

نحن مجتمع قوي متماسك وواعٍ محبًا لولاة أمره مهما مرت عليه الأزمات فهو يقف دومًا صامدًا قادرًا شجاعًا؛ فلو كنت أنا وأنت كمواطن ومواطنه فاجأتنا جائحة ككورونا أو أشد وطأً منها مما أنقص من دخلي، وقلل في قدرتي على الإنفاق وكان الحل في منع الخروج والإنفاق على الخارج أو حتى أُغلقت المنافذ ما بين الحدود، لكنت استغللت إمكانياتي ومواردي الذاتية وأسرتي في تصنيع ما يكفيني ويساهم في ترشيد إنفاقي. كصنع الطعام في منزلي طبيعيًّا كما كانت تصنعه جدتي، ولاستخدمت الثمار التي تجنيها مزرعتي، ولزرعت ثمارًا خاصة أستخدمها كزيت لطهي طعامي. ولأحكت ثوبي بنفسي ولو أتيحت لي الفرصة لأنتجت القماش الذي أحيك به ذلك الثوب ولصممت عباءتي بجودة وتصميم يليق بي ككل امرأة سعودية تتميز بذوقها العالي، ولأجدت في تصميمي لأنافس به الماركات العالمية. ولأثثت منزلي بستائر وسجاد وتكييف وتلفاز، وحتى الأجهزة الرياضية والصحية أريدها من صناعة بلدي، ليس ما دعاني لها الجائحة ولكن لأنها فعلاً منتج بجودة عالية تفوق كل العالم وبتصميم شكلًا وقالبًا ينافس كل تصميمات العالم ولنافسنا وصدَّرنا فنوعنا في مصادرنا ولو كنا ساهمنا في الإسراع من تحقيق مشاريع الرؤية التي حمل مسؤوليتها كل مواطن، ووضعها في قلبه وعمل عليها بحوله وقوته و بكل ما وسعته يده، ولكان الهدف الأول مهما كان هو الاستقلال الصناعي التام في استثمار كل ما يمكن استثماره من موارد وطني لإنتاج منتج من أوله لآخره صُنِع في بلدي. ولن أنفق قرشًا على موطن غيري إلا إن كان في حدود بلدي ومما يعود استثمارًا في منفعة وطني، ولما سمحت بخروج أموالي للخارج ولو حتى كإعادة التصدير بالاعتمادات البنكية. هذه رؤياي التي خرجت من نفسي والتي انبثقت من رؤية 2030 لا أريد لها أن تتوقف مع تقليص الإنفاق، لكني أنادي بتقليص الاستيراد من الخارج، ولو بقينا علي تمر وماء فهو أثمر وأكثر صحة.

ولتتحقق تلك الرؤية التي أراها في نفسي، وأظن أن كل مواطن يراها في نفسه لزم الأمر أن أؤكد على نقاط أساسية لابد من ترسيخها وموازاتها ومراجعتها في مشاريع رؤية 2030. هي لن تتحقق بفوائدها المرتقبة إلا بإخلاص وصدق وإتقان كل مواطن محبًا لهذا البلد، ويعي معنى جودة واستثمار وتنافس وقيمة وحفظ نفس ومال ووطن.

1. الاستفادة من الثروات المعدنية والنفط الخام والبتروكيماويات محليًّا، ولو كان هناك وقت أنسب لكان هو هذا الوقت الذي لا يحتمل التأجيل.
2. دعم الصناعات الوطنية وتوطين المواد الخام وتمكين الشركات من تصنيع المواد الخام محليًّا دون الاعتماد من استيرادها من الخارج؛ لتكون صناعات وطنية متكاملة.
3. دعم الصناعات الرقمية المحلية بالأيدي الوطنية وبمعايير الجودة المبتكرة والفوارق العالمية.
4. مشاريع الطاقة المتجددة، وتشجيع الشركات والمؤسسات الخاصة للاستثمار فيها.
5. الاستفادة المحلية والاستثمار في كل مورد من موارد بلدي: الإنسان المتمثل في تطوير الأيدي العاملة والاستفادة من العلماء والخبراء، الأرض والموارد الطبيعية الخام كالرمل ومشتقات البترول والزيوت والنايلون والبولسترين والغاز والمعادن كالذهب والنحاس والفوسفات والحديد، المزارع والمنتجات الزراعية الوطنية.
6. إنشاء أو تطوير الأكاديميات التكنولوجية والتقنية لإخراج أيدي مؤهلة، وقادرة على الإنتاج والابتكار والتصميم بجودة متميزة.
7. دعم الدراسات ووضع الموازنات لتشجيع الزراعة المحلية وترشيد التكاليف وتوفير المياه.
8. التأكيد على إنتاج المنتجات بصناعة محلية متكاملة من الألف إلي الياء بشروط جودة عالية تضعها المنتجات المحلية في مصاف التنافس العالمي.
9. منع استيراد أي منتج يتم تصنيعه في بلادي مما يحمي المصانع المحلية ويساهم في تحسين الدخل والتدوير الاقتصادي المحلي وحفظ المال؛ هو أمر ملزم فكيف لدينا صناعات محلية ونسمح بالإنفاق على جلب سلعة خارجية؟؟
10. في جانب إعادة تصدير البضائع فلا بد من إبراز ما يثبت استلام التاجر للقيمة بالطرق المعتمدة كالتحويل والاعتماد البنكي من الدولة المصدر لها.
11. دعم الرقابة على الجودة، ووضع المعايير التنافسية التي تؤهل المنتج المحلي للدخول إلى السوق العالمية، والتي تحفز ابن البلد أن يشتري من منتج بلده وهو أمر ملزم وحتمي لنتمكن.
12. الرقابة على المنشآت المحلية التي تمنح الامتياز التجاري فمن غير المعقول أن يُمنح الامتياز التجاري لمنشأة لا توثق كل صغيرة وكبيرة بما يحفظ لها اسمها ومكانتها. لابد من وضع المعايير اللازمة لاستحقاق أي منشأة أن تمنح الامتياز التجاري.
13. للحفاظ على جودة منشآت وطني العظيم أقترح وضع شرط أساسي لأي منشأة في بدايتها ناشئة أو في سيرها في مشوارها أن توثق معايير الجودة؛ وكأنها تهدف إلى منح الامتياز وإلا يُسحب عنها ترخيص العمل.

——————
DrRaniaAnwar@Twitter

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. فعلاً دكتوره الحمدلله اننا ننتمي لهذا الوطن الحمدلله علي نعمة الوطن والأمان ♥️

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى