أثر عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنه قال: (العلماء ورثة الأنبياء)، ومن العلماء الذين كان لي شرف التتلمذ على أيديهم سماحة الشيخ محمد بن عبد الله السبيل إمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة كبار العلماء – رحمه الله، وأسكنه الفردوس الأعلى من جناته.
تميزت شخصية سماحته بأنها شخصية علمية بارزة يكن لها المجتمع الكثير من المحبة والتقدير؛ لما عُرف عنها من التعمق في الفقه الإسلامي، ومعرفة مقاصد الشريعة، إلى جانب وقوفه – رحمه الله – مع أصحاب الحوائج.
وقد تميز- رحمه الله – بدماثة الخلق، ولين الجانب، وحسن التعامل مع المجتمع، وتطبيق تعاليم الشرع الإسلامي الحنيف قولًا وفعلًا– والتزام مبدأ الوسطية سلوكًا وممارسةً، إلى جانب غرس قيم الاعتدال في المجتمع، والبعد عن التشدد وتعزيز الأمن الفكري – خاصة بعد حادثة جهيمان التي روعت المجتمع – وكان يؤكد دائمًا على ما أثر عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنه قال: (هلك المتنطعون – هلك المتنطعون) مع التأكيد على عدم التساهل والتراخي أو التفريط في تطبيق تعاليم الدين، ويقول: إن ديننا دين وسط واعتدال.
وأخبرني والدي الشيخ عبد الكريم – رحمه الله – وكان يعمل عضواً في هيئة الحرم أن سماحة الشيخ محمد السبيّل، كان يوجههم إلى حسن التعامل مع حجاج بيت الله وقاصدي حرمه، وتوجيههم بالحكمة والموعظة الحسنة، والصبر في سبيل ذلك؛ خاصة في مواسم رمضان والحج.
ثم توثقت معرفتي بسماحة الشيخ محمد السبيّل؛ حيث كان يجلس عند مكبرية الحرم، ونجلس معه مستندين عليها بعد صلاة المغرب حتى صلاة العشاء يوميًّا، وكان سماحة الشيخ –رحمه الله – يحفظ قدرًا كبيرًا من الأدب والشعر، وأسلوبه -رحمه الله- في السؤال والمناقشة من أساليب التربية التعليمية التي كان يتبعها للحث على طلب العلم وفهم دقائقه، والوقوف على غوامضه؛ فكثيرًا ما يسألني عن مسائل في الحديث الشريف والفقه، وربما سأل عن مسائل في الأدب والشعر.
واستكمالًا للاستفادة العلمية من سماحته، كنت أدرس عليه في الخلوة المخصصة له الواقعة يسار الذاهب إلى المروة في الدور الثاني من الحرم، أقرأ عليه من كتب الحديث النبوي وبعضًا من كتب الفقه الحنبلي، وشيئًا من كتب الأدب مثل كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة، والشعر والشعراء له، وكانت تعجبه القصائد الجيدة السبك، العميقة المعنى، البعيدة عن التكلف، وكان -رحمه الله – يحفظ القصيدة النونية للإمام ابن القيم -رحمه الله- ويستشهد بأبياتها عند الاقتضاء، وقد اجازني – رحمه الله – إجازة عامة في الحديث النبوي الشريف وكان من جميل عادته – رحمه الله – عرض ما يكتبه على أنظار مشايخه، فمن ذلك أنه حين طُلب منه طباعة الخطب التي القاها في المسجد الحرام على مدى سنوات قام بقراءة تلك الخطب في الخلوة على أخيه فضيلة الشيخ عبدالعزيز السبيّل، وعلى فضيلة الشيخ علي الهندي قبل طباعتها للاستفادة من توجيهاتهما العلمية، وقد كان لي شرف حضور هذه المجالس.
هذا غيض من فيض – رحم الله شيخنا العلامة سماحة الشيخ محمد بن عبد الله السبيّل، وأسكنه فسيح جناته، وبارك في ذريته، ونفع بهم الإسلام والمسلمين، وأنه ولي ذلك والقادر عليه وصل الله وبارك على خير خلقه محمد وآله وصحبه.
————————
مستشار معهد المخطوطات وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة
جزاكم الله خيرا على هذه السيرة العطرة عن سماحة الشيخ محمد السبيل، رحمه الله، ذلك الشيخ العالم الجليل من علماء الحرم المكي الشريف ،أسأل الله عز وجل له الرحمة والمغفرة والدرجات العلا من الجنة.