المقالات

النظره الشرعية لطالب تنبل

عندما دعاني الدكتور الفاضل أحمد العرفج لقراءة كتابه (المهمل من ذكريات طالب تنبل) وعلى غرار ساعة العرفج للقراءة بأن أقرأ في كل يوم ساعة فقط، وأسجل أنطباعاتي، وبما أن عدد صفحات الكتاب 189 ورقة، والساعة قد تأخذ مني 40 صفحة فبالتالي سأحتاج من أربعة إلى خمسة أيام، وفي البداية كمجاملة مني له وافقت فنحن في شهر رمضان والوقت لن يسعفني، وقررت أن أستطلع وأنظر للكتاب نظرة شرعية سريعة من باب العلم بالشيء، ولكن بدون إرادة مني جذبني مضمون الكتاب، وانتهيت منه في أقل من يومين،

فتوغلت في صفحاته ومن البداية نشط  ذاكرتي وأعادني لسنوات وسنوات لمسميات وأسماء ومناطق وحارات محفورة في أعماقي، واستفزتني انسيابية تعبيره وشدني روعة أسلوبه، ورشاقة لغته، وجزالة ألفاظه، قرأت وتقاسمت معه ذلك الوجع السّاكن فيه وتلك الفرحة بالنجاح وقوة الإرادة التى كانت مسيطرة على حروفه، شعرت بابتهاجه وانكساره وشموخه وشقائه وجنونه ومنحني الغوص في عالمه الفريد من خلال سرده فهو قليل ما يحابي أو يجامل أنه مثال للتحدي وصناعة الأمل فبصماته المفرحة المبكية وثقافته العالية المتشعبة في أعماق كيانه، جعلت الكتابة تسكن تحت أصابعه وأصبح كأنه كتاب يمشي على الأرض،

إنه رجل عصامي صنع نفسه بنفسه ووضع نصب عيناه من بداية حياته قاعدة يسير عليها وهى عبارة شكسبير (أكون أو لا أكون)، وكانت ولا زالت قناعاته تقول بأن من يملك وقته يملك كل شيء.
كتب عن رحلته ما بين مسيرة الألم وحكاية الكفاح رحلته التعليمية، كانت مليئة بالمدارج والمعارج والمخارج فمنذ صغره عشق التراث العربي، ولكن التراث العربي لم يعشقه،

عاش طفولته حائرًا بين خطوط الحياة، وحائرًا بين بداية الرجولة ونهاية الطفولة فقد أصبح رجلًا مبكرًا وسابقًا لمرحلة الرجولة،
كانت له العديد من الوظائف منذ طفولته وفى مرحلة دراسته ما بين مستمع لدروس المشايخ ومن ضمن حلقة تحفيظ القرآن في الحرم وما بين مُطير حمام والوقوف في دكان عطارة خاله وما بين دراسته في المدرسة وحضور حصص التقوية، وعمل مراقبًا في ساحات الحرم،

كان صاحب خبرة في الصياعة والضياع كما يقول يسير أحيانًا على بساط البركة لينجح بالخروج من فم الزجاجة،
فالمتناقضات تعيش في شخصيته ويعترف بأن الذكاء له حدود لكن الغباء لا حدود له،
لكنه استطاع بنفسه أن يوسع حديقة معارفه ويصغر دائرة جهله.
عاش مرات في دائرة الحيرة وسكن قُرب مربع الارتباك، وأحيانًا كان يحاصره اليأس فيقف كما يقف حمار الشيخ في العقبة عاش أحيانًا عاطلاً بلا حافز، وعاش أيامًا كلها عمل، عاش لحظات تحدي وإحباط
ولحظات افترش فيها الحزن، واقتات على اليأس، وتظلل بظل التشاؤم، وبأن آماله قد تحطمت وطموحاته تصدعت.
عاش حالات أعلن فيها حالة الطوارئ، وعاش معارك لا هوادة فيها ولا ركود ولا سلام،

فشعر بأنه مذبوح الطموح ومسدوح الأمل، ولكن خرج من كل ذلك بإرادته الفولاذية لقد عاش أيام محنة التحريض والاتهام وحالة قلق نادرة ومرحلة معاناة قارعة، ولكن إجادته للتمثيل وقدرته على تغير تعابير وجهه كانت تُشعر من حوله بأن الأمور تسير على ما يرام، رغم أنه من دعاة الاقتصاد في الكذب إلا أنه يجيد لبس قناع المجاملة بامتياز،
فسار في ركب المجتهدين وأصر أن يسكن في مدينة النجاح
حازمًا مع نفسه عندما وضعها في دائرة التحدي، واستكمل دراسته، واستلم وظيفته فتذوق النجاح وجماليات التفوق وحلاوة العلم وعسيلة المعرفة.
ونسي بعدها أخلاق الطالب، وتضخمت كلمة الأستاذ، وحصل بداخله ما يشبه غسيل المخ احتلته كلمة أستاذ وما بقى له من تواضع أخذه لقب (حضرة الضابط) فزادته غرورًا وغطرسه، ولكن ليس غرور الكِبر والتعالي لمراجعته المستمره لنفسه وتقييم ذاته ليعرف بأنه ليس أكثر من إنسان عليه أن يقتل كل ذرات الكسل ويتزود فقط بالعلم، فالعلم وحده هو الذي سيرفعه ويبقي ذكره، وهذا ما جعله يرفض كل المناصب أو الألقاب والمراتب والوظائف واتخذ قرارة إما النصر أو الشهادة
وكعادته فهو دومًا يبتعد عن التنظير، ويهتم بالتخطيط والتطبيق.
تصاحبه ثقته وتوكله برب العباد قرر بإرادة تتحدى اليأس وتنتصر على البؤس أن يستكمل دراسته؛ حتى ينال شهادة الدكتوراة، وكان له موعد مع القدر الجميل فسَخر الله له وذلل ما قابله من صعوبات؛ بفضل سهام لا تخيب أبدًا وهو دعاء والدته رحمها الله، وهو دعاء يمتلك خاصية التعميم؛ لأنه يعمل في كل الأماكن ويتوغل في كل المستويات والقرارات.

وبعد القبول والسفر لمقر دراسته دخل في متاهات كثيرة وطويلة، وقصم ظهره، وأتعب بصره توالت عليه الصدمات وفي كل صدمة يأخذ نفس عميق، واستطاع خلال ستة أعوام أن يفكك مصائبه مصيبة وراء مصيبة؛ لأن الإحباط فكر مجرم يشعل خلايا الشر داخل جمجمة الإنسان.
مر بمراحل متتالية في سلم الصعوبة، وتعسرت ولادة بحثه، وعاش الحصار، ولكنه راهن على مستقبله حتى نال الدكتوراة وسعد بها وأسعد بها والدته رحمها الله وكل محبيه من كل الجنسيات، وفي كل الأقطار التى عاش فيها فانهالت عليه التبريكات، وأغرق الجوال وتويتر والإيميل والفيسبوك في بحر من رسائل التهنئة.
نعم حصل على شهادة العمر، ولم يشتريها من سوق الصواريخ، حصل عليها بعد أن ركب في قطار المجهول والراحة راحلة عنه، وبعد أن بكا كبكاء الأطفال حين اختلط الطموح باليأس، ومازح الحماس الاحتباس، ومر بمحاولات عديدة كان مصيرها سلة الفشل،
نعم نالها بعد أن عاش لحظات أظلم فيها أمله وأحبطت فيها طموحاته، وكادت أن تتلاشى قدرته على الصبر، ولكن القدر الجميل كان يقف له بالمرصاد، وتحول من طالب علم إلى عامل معرفة، ومازال بكل تواضع يقول إنه في بداية انطلاقته لرحلة المعرفة.
لله درك يا عامل المعرفة تستحق لقبك بجدارة.
وأخيرًا وجد الرجل اليتيم نفسه أحمد المثقف، أحمد الكاتب، أحمد الممثل، أحمد الشاعر، أحمد الموهوب، وأحمد التاجر، وأحمد المتفوق، أحمد المذيع، أحمد مقدم البرامج، ومن حولك ومعك وبجانبك كوكبه من الأصدقاء والأحبة بارك الله فيهم وفيك،

 وأختتم بطريقة العرفج في نهاية مقاله حسنًا…ماذا بقي ؟
بقي القول بأنك قد وعدت قرائك ومحبيك ومتابعيك بالبدء بكتاية سلسلة من الكتب التى ستسرد فيها ذكرياتك الوظيفية والرياضية والصحفية وغيرها،
واكتشفت بأني مثلك أحب دومًا إهداءات الكتب المجانية فلا تجعلني أنتظر.

Related Articles

2 Comments

  1. اسلوب رائع في سرد قراءتك لكتاب المؤلف…
    حمستينا على اقتناءه
    تحياتي

  2. ماشاء الله تبارك الله? كفت ووفت قالت كل شيء في نفسي. مقال اكثر من رائع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button