لا بد أن كل منا لاحظ أن هناك أشخاصًا من حولنا أقل ما يُقال عن أحدهم بأنه شخص ذو وجهين… وهناك من هو “بستة وستين وجه” كما يقال بالبلدي. بل إن هناك من تعجز عن فهمه… أذكر أني كنت مدعوًّا على مأدبة على شرف شخص ما، وكان هناك عدد محدود من المدعوين. كانت الجلسة رسمية نوعًا ما وأخذ المضيف بين الفترة والأخرى يثني على ضيفه، ويذكر كم هذا الشخص عزيز إلى قلبه وأنهم يتشاركون الكثير من الذكريات الجميلة. والحق يُقال، الرجل كان في منتهى اللطف والحديث معه شيق فكانت الجلسة لا تمل. ما إن غادر المدعوون بقيت أنا وصاحب الدعوة… فأخذت أثني على ضيفه وكم هو شخص جدير بالاحترام… فإذا هو يفاجئني بردة فعل مستهترة بما أقول. قال لي أنت لا تعرفه وأخذ يكيل له من الخصال غير الحميدة … وذكر أنه كان يجامله فقط؛ لأنه ذو منصب في أحد الإدارات التي لها صلة بأعماله. *فأنكرت عليه ذلك وقلت* أي نفاق هذا… لمَ كل ذلك التملق. وهل بالفعل هذا التملق سوف يعود إليك بالمنفعة… قال لي: “أطعم الفم تستحي العين”. للأسف أن هذا واقع نعيشه فهناك أشخاص يتفنون في توسيع دائرة نفوذهم فهم يعرفون جيدًا ما هي الأسلحة التي يستخدمونها مع كل فريسة مستهدفة فمنهم من يحب أن *يرى* نفسه وجيهًا في مجتمعه فيفرح بالدعوات وحضور المناسبات على شرفه. ومنهم من يأتي بالرشاوي والهدايا المباشرة *وغير المباشرة* إلى غير ذلك من المغريات التي لا يتردد أصحاب المنفعة من تقديمها.
ولا يقتصر ذلك على من هم في شاكلة مضيفنا هذا. ففي بعض بيئات الأعمال تجد هناك اشخاصًا يستحوذون على نصيب الأسد من الترقيات والعلاوات ليس لأنهم الأفضل، بل لأنهم يجيدون التملق مع القليل من الجهد وطلاقة اللسان التي تتقن المديح والوشاية بمن جعلهم خصومًا له في الإدارة. ناهيك عن البرامج الترفيهية التي قد يعدونها في نهاية كل أسبوع.
ومع أن هذه الظاهرة آخذة في الانحسار مع الدور الفعّال الذي تقوم به هيئة النزاهة وحرص ولاة الأمر على المال العام، وعلى كل ما من شانه الإضرار به إلا أنها تستوجب وقفة جادة وصادقة من كل مسؤول أؤتمن على المال العام أو وكل بأمر العامة، فأصحاب المصالح لن يؤلوا جهدًا في سبيل التنفع بالطرق غير المشروعة متى ما سنح لهم ذلك. فعليهم أن *يتقوا* الله وأن يتحروا العدل والمساواة والأمانة في كل ما وكلوا به.
فوالله ما سادت الأمم إلا بالعدل والمساواة في كل شؤون الحياة. فمما ذكر ابن تيمية رحمه الله أن الله لينصر الأمة العادلة ولو كانت كافرة. فما بالكم بأن تكون عادلة مسلمة مهبط الوحي وأرض الحرمين الشريفين.
0