عبدالله غريب

من ذكرياتي عن العيد في الباحة

عيد الفطر له خصوصيته في الماضي والحاضر فالقواسم مشتركة في بيئات المملكة ولكنها قد تنحصر في الفرحة العامة بقدومه وما يستعد الناس له خلال الأسبوع الأخير من الشهر الكريم وتختلف فيه العادات والتقاليد بين المناطق ولكنها تتحد في رسم الفرحة والابتهاج على وجوه الجميع فالكبار يفرحون بعد أن أتموا الصيام والصغار ينتظرون هدايا العيد من الآباء والأمهات إلى جانب ما يقام من إحياء للموروث الشعبي كل منطقة بل كل قرية تحيي تراث الآباء والأجداد ولو حصرنا الأمر في الباحة باعتبارها بيئتي التي شهدت فيها خلال عقود مضت مفارقات عجيبة في عيدين على الأقل .

العيد الأول قبل أكثر من خمسين سنة وأنا طفل حيث كان النشاط الزراعي هو السائد في المنطقة بوجه عام ومما أتذكر كان لكل قرية خيّاط ملابس للرجال وأخر يخيّط ملابس النساء المحبوكة المطرزة وكان يسهران طوال الشهر لهذا العمل وقد يتأخر في الانتهاء من بعض تلك الملابس مما يثير المشاكل لكنها سرعان ما تنتهي بالتماس العذر للخيّاط وجاء ذلك العيد في الصيف فترة حصاد الأراضي الزراعية وأتذكر أن أهالي القرية كانوا في الوادي وكانوا صائمين في آخر يوم من الشهر تمام الثلاثين ولم يكن هناك وسائل إعلام تعلن للناس دخول رمضان ولا إعلان العيد سوى تناقل الأخبار بين القرى عن طريق إطلاق النار من البنادق أو إشعال ما يسمى بالمشعال الذي كانت كل أسرة تجتهد في جمع شجيرات العرفج شديد الاشتعال بعد أن ييبس ويصنع بطريقة ضمه وتربيطه على خشب العرعر اليابس وبهذا تتحول القرى إلى ما يشبه اشتعال آبار البترول حيث يجتمع الأطفال حولها وهي منتصبة بينهم بارتفاعات ما بين 3-5 أمتار على شكل هرمي وهي تشتعل وهم يرقصون ولها بأهازيج تدور حول فرحة العيد ومنها ( الله يعيد العيد عليكم يا جماعة يا اهل الكرم والجود والشيمة والشجاعة ) .

وبهذا يعرف الجميع بهذا دخول الشهر ويوم العيد وفي ذلك العيد تم إطلاق البنادق من القرية المجاورة لقريتنا واسمها البارك مقر مشيخة القبيلة وأشعلت المشاعيل وتركوا الناس ما يسمى بـ ” الصرام ” الحصاد وعادوا للبيوت لتبدأ مراسم العيد من قرب صلاة الظهر حيث صلوا الناس العيد واتجهوا للبيوت بعد أن أعددن النساء الخبز البلدي خبز الملّة المشهور في غامد وزهران الأكبر عالميا في حجمه ووزنه ومساحته ومعه المرق والسمن والعسل والتمر والقهوة وهي أكثر شيوعا لتقديمها للمعيدين وهم أهالي القرية الذين يجوبون القرية بيت بيت ولا يتركون أحدا إلا ويزورونه ويتناولون ولو لقيمات قليلة مما أعده أهل البيت وهو يدخلون ويسلمون ويقولون ( من العايدين ) وبعد ما يهمون بالخروج يقولون ( عاد عيدكم ) ثم ينتقلون للبيت الآخر وهكذا وفي ختام المعايدة يعود كل ري أسرة ويحتزم بالمسبت ويحمل بندقيته ثم تقام العرضة الشعبية بحضور شعراء القرية بعد العصر ويستمرون حتى المغرب ومن ثم يعودون لمنازلهم ولكن على شكل عائلات لهم روابط أسرية أو روابط جيرة حيث كانت القرية متلاصقة البيوت مع بعضها في بقعة ربما لا تزيد مساحتها عن 10000م2 وفي الليل يجتمعون في بيت له مجلس واسع ليحيوا فلكلور آخر بين اللعب والمسحباني ويستمرون حتى ساعات متأخرة من الليل بأنوار تقليدية قبل يأتي الكهرباء والنساء أيضا يجتمعن ويفرحن في أحد البيوت لوحدهن ويحيين ما يسمى بـ ” اللعب النسائي ” بحضور شاعرات من نفس القرية وقد يستمر الحال لأكثر من يوم بهذا الوضع ونفس الحال في كل القرى وكان الأهالي يعيدون على كبار القوم مثل معرف القرية ثم شيخ القبيلة وعلى إمام القرية وبعض المقيمين فيها من قرى وقبائل أخرى .

واليوم أصادف المفارقة الثانية لكنها الأعجب في حياتي بدءا من شهر الصيام الذي مرّ بنا وانتهاء بالعيد الذي سنعيشه ونحن متباعدون – وستكون معايدتنا عن بعد من خلال وسائل التواصل التي أتاحت الاتصال صوتا وصورة – والذي سيدخل في أيام منع التجول لمدة خمسة أيام بسبب ” فيروس كورونا المستجد ” إلا أن هذا لن يحرمنا ويحرم أطفالنا من فرحة عيد الفطر ولكن داخل بيوتنا فقط بعد أن من الله علينا بالصيام والصلاة والقيام في منازلنا دون المساجد وهي مفارقة تضاف للعيد إذ لم يمر بي في حياتي وحتى بسؤال كبار السن أن اقتصر الصائمون على الصلاة في بيوتهم ضمن الاحترازات التي اتخذتها الجهات ذات العلاقة لمحاصرة الفيروس بعدم الاختلاط والتقارب ومنع العدوى التي تنتج من المصافحة وما بعدها كعادات وتقاليد نشأنا عليها للتعبير عن محبتنا لبعضنا عند اللقاء فضلا عن التعبير بقوة في المناسبات كالأعياد وعند العودة من السفر والتي يجب أن نخفف منها مستقبلا بعد أن يمن الله علينا بانتهاء هذا الوباء فنكتفي بالمصافحة ونقلل من حب الخشوم والمبالغة في العناق ونكتفي بصفاء النفس ونقاء السريرة ونطبق حديث الرسول عليه الصلاة والسلام ” ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ” طبعا المنع لا يعني أننا بعده نعود لما نهينا عنه بل علينا الالتزام بما تمليه علينا الجهات المختصة من قرارات لمصلحتنا ولصحتنا حتى نبقى في مأمن من شر هذا الفيروس الذي غطى بشره الكرة الأرضية وعلينا أن نحمد الله على سلامتنا منه وأن نترحم على الأموات السابقين الذين لم يعيشوا أجواء رمضان معنا ولا العيد واللاحقين الذين توفوا بسببه وندعو لدولتنا وقيادتنا ورجال أمننا وجيشنا الأبيض على ما قدموا ويقدمون من جهود ونحن في بيوتنا ننعم بالخير الوفير .

تهنئة وتأبين :

بهذه المناسبة يسرني أن أهنئ مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين والأسرة المالكة والشعب السعودي والأمتين العربية والإسلامية بالعيد السعيد وأخص رجال الأمن والجيش السعودي ورجال الصحة والهلال الأحمر وكل من يقدم خدمة لهذا الوطن ومواطنيه والمقيمين فيه وأترحم على والدتي التي صامت معنا العام الماضي وعيّدت وانتقلت إلى جوار ربها رابع أيام العيد ووالدي الذي انتقل إلى جوار ربه قبل ما يقرب من نصف قرن غفر الله لهما ورزقني برهما وأعاننا على ما أعانهما عليه ويرحم جميع موتانا وموتى المسلمين آمين .

Related Articles

One Comment

  1. لافض فوك صديقي الغالي ووالدنا الأدبي والتربوي والتعليمي الدكتور عبدالله غريب فلم تترك لا شاردة ولا واردة الا وقد تطرقت لها ماضياً وحاضراً ورغم الظروف الراهنة الحفاظ على “فرحة العيد” رغما عن “كورونا” لازال قائمةً في مجتمع التباعد الاجتماعي والجلوس في البيت ( خليك بالبيت ) وكلنا مسؤول .
    فكلمة “العيد فرحة”، مقولة تتردد في كثير من البلدان العربية، تلخص كثيرا من مظاهر عيد الفطر والفرح والمسرة .
    فرحة الأطفال الذين حصلوا على لباس جديد للعيد، وفرحة الأهل بتجمعهم وتبادلهم التهاني والأماني الطيبة والحلويات اللذيذة، وفرحة من أتم صيامه وزكاته وصلاته.
    بعض هذه المظاهر سيحرم منها كثيرون هذا العام، لكن بعضها يمكن التمتع به حتى تحت الحجر المنزلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button