المقالات

لعبة الأيام لم تستثنِ حتى الأعياد

الحمد لله الذي بلغنا وإياكم​ صيام شهر رمضان لهذا العام ١٤٤١ هجرية.
ونسأل الله القبول في القول والعمل.

قال تعالى:
(إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).

في كل عيد تتدفق فينا مشاعر الحب والتواصل عن قرب كمسلمين، وتبادل زيارات المعايدة بلبس جديد وشوق مديد وعيد سعيد..!!

طيلة عمري تعود على هذا النهج في العيد؛ حتى أصبح الشوق يسترجع ذكريات أعيادي الجميلة الماضية.

كانت معشوقتي في العيد هي قريتي الصغيرة (الرهوه) تلك القرية القديمة الحديثة ولاتهون القرى الست المجاورة لها فكلها تعج ذكراها بأنفاسي ذكريات ساحاتها وسبلها المتعددة، وأنفاقها المظلمة لكنها غير موحشة إطلاقًا بأهلها أهل الأصالةوالنقاء….!!!

تذكرت كل الشامخين فيها بدءًا بجدي، وأبي، وأسرتي، وأقاربي، وقامات كبار قريتي وكل مجتمعي القروي العظيم في قرانا العاصمية.

تتسع بنا بهجة الحنين في المجتمع القروي في أيام العيد، ونستشعر جميعًا أن للعيد فرحة تحمل أجمل ألوان الطيف..!!

بكل أسف في عيدنا هذا مزقني الحزن والشوق لكل من رحلوا من قرانا ولم يحملوا حقائب سفر معهم، بل حملوا ودائع رحيل أبدي فقطعنا الحزن لفراقهم وحزنت لفقدهم حتى جدران بيوت قرانا فتصدعت من الأسى والوحدة، وضاقت سبلها والأمكنة، وجفت أشجارها ونضب ماء آبارئها ..!!

كل من رحل من قريتي وشقيقاتها المجاورة، تركونا في عالم موحش يتزاحم بالمتضادات رغم ما يسمونه بالحضارات والمدن السعيدة فرحلنا من قرانا للمدن وظلت قرانا تبكي الفراق ونبكيها..!!

كان ذلك الرحيل مرًّا حينما أوعزنا اسبابه للبحث عن السعادة والحياة المتطورة، وكلما سمي بالتطور والرقي..!!

كل تلك المدن المتطورة بحصونها وشوارعها واسواقها وحضاراتها لم تنسنا حب تلك القرى العظيمة، وحب أهلها الكبار، لكن يبقى عزاؤنا أنهم توجونا بحسن السجايا من لطفهم الفطري، وليت شعري أن أنقل لهم بعد الله شكوانا مما أحدثه بعدهم تعقب الأيام وبالأخص ما حمله فايروس كورونا وعملائه ..!!

أكتفي بما سبق فلم يعد للأحزان اللاحقة في نفسي مكان فارغ..!!

وأعود للعيد فأتذكر رائحة الصهار وهو (الطلاء الجديد لجدران البيوت في القرى) والتزيين بالخضار لبيوت قريتي في العيد لتبدو نقية جميلة.
كجمال قلوب أهلها فهي بلا شك أصفى وأنقى..!!

كان للثوب الجديد ولغرارة جدي في العيد شأن كبير
والغرارة هي(الطيب من الأشجار الخضراء الزكية يوضع فوق الرأس وفي الجيوب)
وكذا طيب مزرعة أمي الملاصقة للبيت كان لكل ذلك نصيب أكبر في تكميل فرحة العيد ومنح هداياهم لنا من تلك الأشجار بأجمل روائح طيب، وأجمل الألوان، وجميعها من ذات الطبيعة البسيطة المجاورة بفناء البيوت.

لم يكن يعرف أهل قريتي الابتسامات الملونة بغير الحقيقة كماهو حال اليوم. فهم يردفون لنا مع الابتسامات قول:
(عاد عيدكم)
ونرد فورًا
(علينا وعليكم يعود)

هناك في القريه شعرت بقيمتي وكياني رغم صغر سني لم تسعنى مساحاتي المحيطة بأشواقي لما منحوني أهل القرية من قيمة معنويه بأنك ذات شأن يا عزيز ..!!

كان المنديل الأصفر لأخواتي وبنات قريتي يميزهن بالطهر والغيرة وعذرًا لكم ولهن بالبوح بتلك المشاعر…!!

لا أدري كيف امتلكت إحداهن مفتاح قلبي حتى تجرأت أن أهديها كل ما زينت به جيبي من البرك والريحان والورد الملون ذو الرائحة النفاثة لتلك القلوب الصغيره التي تسبق حاسة الشم بكل براءة ولطف..!!!

تلك الملاك قايضتني فورًا بحبتين من التمر لم أذق في حياتي مثلها حينما أكلتها وأبقيت النوى في مكان آمن لبيقى للذكرى وتعجبت كيف النوى يقدر ينسى العيون..!!

حينها تمنيت أن أقسم لها من فرحتي بثياب عيدي تسبقها نبضات قلبي الصغير..!!

لم أبخل عليها بما أملك فنزفت لها النصيب الوافر من ابتسامات العيد التي تشبه ابتسامات طفل رضيع لا يجيد التزييف والمجامله.

كل هذه الذكريات تسايرني في كل عيد..!!

هناء بعيدنا الحالي عيد الفطر لعام ١٤٤١هجرية دعت الضرورة للجميع في مملكتنا السعودية الغالية أن نبقى في البيوت لنعايد من بعيد..!! وللضرورة أحكام.

هذا العيد زاد فيه همي وأحزاني؛ لأنه الأول الذي حجرنا فيه في البقاء بالبيوت ليكون السلام والمعايدة من بعد وبعيد تحت وطأة فايروس كورونا الماكر العنيد..!!

عذرًا أيها العيد فإني رغم الألم..
لا أملك إلا كما قال المتنبي…

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ.

أخيرًا:
لعل القادم يكون أنقى وأجمل.

وكل عام وقيادتنا وأنتم وكل شبر في بلادي بخير.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى